LIM Center, Aleje Jerozolimskie 65/79, 00-697 Warsaw, Poland
+48 (22) 364 58 00

صور الأقمار الصناعية: المبادئ والتطبيقات والاتجاهات المستقبلية

TS2 Space - خدمات الأقمار الصناعية العالمية

صور الأقمار الصناعية: المبادئ والتطبيقات والاتجاهات المستقبلية

Satellite Imagery: Principles, Applications, and Future Trends

التعريف والمبادئ الأساسية

صور الأقمار الصناعية تشير إلى الصور الملتقطة للأرض (أو الكواكب الأخرى) بواسطة الأقمار الصناعية التي تدور في المدار. وتُعد هذه الصور شكلاً من أشكال الاستشعار عن بعد، أي أن البيانات تُكتسب من مسافة دون اتصال مباشر. تحمل الأقمار الصناعية مجسات تستشعر الإشعاع الكهرومغناطيسي المنعكس أو المنبعث من سطح الأرض. تعتمد معظم أقمار التصوير على المجسات السلبية التي تعتمد على ضوء الشمس كمصدر للإضاءة (لالتقاط الإشعاع المرئي أو تحت الأحمر أو الحراري المنعكس)، بينما يستخدم البعض الآخر مجسات نشطة تبعث إشارتها الخاصة (مثل نبضات الرادار) وتقيس الإشارة المرتدة earthdata.nasa.gov earthdata.nasa.gov. من خلال التقاط هذا الإشعاع وتحويله إلى صور رقمية، توفر الأقمار الصناعية رؤية مفصلة وشاملة لسطح الأرض وغلافها الجوي. ويجب أن تكون الصور مؤشرة جغرافيًا (مرتبطة بإحداثيات جغرافية) ومصححة للتشوهات حتى تكون مفيدة في نظم المعلومات الجغرافية (GIS) en.wikipedia.org.

بعبارة موجزة، تتيح لنا صور الأقمار الصناعية مراقبة ومتابعة تغيرات الأرض على نطاق عالمي. وغالبًا ما تُعتبر مكملة للتصوير الجوي، حيث توفر تغطية أوسع وإن كان ذلك غالبًا بدقة أقل en.wikipedia.org. تستطيع صور الأقمار الصناعية الحديثة تمييز أجسام صغيرة يصل حجمها إلى حوالي 30-50 سم في الأنظمة التجارية المتقدمة en.wikipedia.org، في حين أن المهمات العامة مثل لاندسات تبلغ دقتها من 10 إلى 30 مترًا en.wikipedia.org. كما تلتقط الأقمار الصناعية أجزاءً مختلفة من الطيف الكهرومغناطيسي، مما يتيح إنتاج صور طبيعية وكذلك صور بألوان زائفة وطبقات بيانات تتجاوز نطاق الرؤية البشرية (مثل تحت الأحمر أو المايكرويف). وتوفر هذه الخصائص إمكانيات قوية لمتابعة العمليات البيئية ورسم خرائط معالم سطح الأرض ورصد التغيرات مع مرور الوقت.

التطور التاريخي لتصوير الأقمار الصناعية

يمتد تطوير التصوير بالأقمار الصناعية من محاولات أولية بسيطة إلى شبكات كاميرات فضائية معقدة للغاية في يومنا هذا. تم الحصول على أول صور من الفضاء عام 1946 من رحلة صاروخية أمريكية من نوع V-2 شبه مدارية، حيث التُقطت الصور من ارتفاع يقارب 105 كيلومترات en.wikipedia.org. أما أول صورة قمر صناعي فعلية للأرض فقد التُقطت في 14 أغسطس 1959 بواسطة القمر الصناعي الأمريكي Explorer 6، حيث أظهرت صورة ضبابية للغيوم فوق المحيط الهادئ en.wikipedia.org. وفي عام 1960، أرسل القمر الصناعي TIROS-1 أول صورة تلفزيونية للأرض من المدار، مما شكل نقلة نوعية في رصد الأحوال الجوية en.wikipedia.org.

خلال ستينيات القرن الماضي، تطور التصوير الفضائي في مجالين رئيسيين: الأرصاد الجوية والاستطلاع العسكري. فقد أثبتت أقمار TIROS والأقمار التالية من NOAA أهمية الاستمرار في تصوير السحب للتنبؤ بالطقس. في المقابل، أطلقت الولايات المتحدة برنامج CORONA السري (1960–1972)، وهو مجموعة من الأقمار الصناعية التجسسية استخدمت كاميرات تصوير أفلام كانت كبسولاتها تُسقط وتُسترجع جوًا. (وقد أظهرت صور كورونا، التي رُفعت عنها السرية لاحقًا، تفاصيل تصل إلى نحو 7.5 أمتار، مما كان مذهلًا في ذلك الوقت en.wikipedia.org). وبحلول عام 1972، دخل التصوير بالأقمار الصناعية المجال المدني مع إطلاق Landsat 1 (وكان يسمى في الأصل ERTS-1)، وهو أول قمر صناعي مخصص لرصد الأرض بشكل منهجي لأغراض علمية ومدنية en.wikipedia.org. وقد أنشأ البرنامج أرشيفًا متكاملًا من الصور متعددة الأطياف وبدقة متوسطة لأكثر من 50 عامًا، مع إطلاق لاندسات-9 عام 2021 en.wikipedia.org.

تبع ذلك تحقيق محطات محورية رئيسية. ففي عام 1972، التقط رواد الفضاء على متن أبولو 17 الصورة الشهيرة المسماة “الرخام الأزرق” للأرض، مما زاد من وعي العامة بأهمية الصور الفضائية en.wikipedia.org. وبحلول عام 1977، كانت الولايات المتحدة قد نشرت أول قمر صناعي للتصوير الرقمي شبه الفوري (قمر التجسس KH-11 KENNEN)، ما ألغى الحاجة لاسترجاع الأفلام وسارع بشكل كبير عملية جمع المعلومات الاستخباراتية en.wikipedia.org. وفي عام 1986، أدخلت فرنسا قمرها الصناعي SPOT-1 الذي قدم صورًا متعددة الأطياف بدقة أعلى (10-20 مترًا)، وبدأت دول أخرى (الهند، روسيا، اليابان، إلخ) برامجها الخاصة لمراقبة الأرض.

بدأ عصر صور الأقمار الصناعية التجارية في التسعينيات، حيث خففت الولايات المتحدة القيود على الشركات الخاصة، مما أدى إلى إطلاق IKONOS عام 1999 – أول قمر تجاري للتصوير عالي الدقة، بدقة تصل إلى متر واحد mdpi.com. وقد أعقب ذلك أقمار بدقة أقل من متر: مثل QuickBird (60 سم، 2001) وWorldView-1/2 (~50 سم، أواخر العقد الأول من الألفية 2000) mdpi.com. اليوم، تُدير Maxar Technologies (المعروفة سابقًا باسم DigitalGlobe) سلسلة أقمار WorldView، بما في ذلك WorldView-3 الذي يوفر دقة بانكروماتية تبلغ نحو 0.3 متر فقط. وبحلول عام 2010، أتاحت الكوبي ساتس والأقمار الصغيرة إمكانية إطلاق العشرات من الأقمار منخفضة التكلفة دفعة واحدة. على سبيل المثال، أطلقت Planet Labs أسطولًا من النانو ساتلايتات (وزنها 5–10 كجم وتسمى “Doves”) لتصوير الأرض كلها يوميًا بدقة 3–5 أمتار. وقد أدى ذلك إلى انفجار في حجم الصور المجموعة. ففي عام 2010 كان هناك نحو 100 قمر لرصد الأرض في المدار، أما بحلول 2023 فقد تم إطلاق أكثر من 2500 قمر، أي زيادة بمقدار 25 ضعفًا، ويرجع ذلك غالبًا إلى مجموعات الأقمار الصغيرة patentpc.com.

ومن الاتجاهات البارزة أيضًا سياسة البيانات المفتوحة لأرشيفات الأقمار الصناعية الحكومية. ففي عام 2008، بدأت هيئة USGS بإتاحة أرشيف لاندسات بالكامل للعامة مجانًا، مما “زاد الاستخدام بشكل كبير” للبيانات في العلوم والحكومة والصناعة science.org. بالمثل، يوفر برنامج كوبرنيكوس التابع للاتحاد الأوروبي (أقمار Sentinel) صورًا مجانية ومفتوحة للجميع. وبحلول أوائل القرن الحادي والعشرين، أصبحت صور الأقمار الصناعية متاحة على نطاق واسع لأي شخص يملك اتصالًا بالإنترنت – وعزز ذلك أدوات مثل Google Earth والخرائط الإلكترونية. كما أشار أحد التقارير، فإن البرمجيات منخفضة التكلفة وقواعد البيانات العامة جعلت “صور الأقمار الصناعية متاحة على نطاق واسع” للاستخدامات اليومية en.wikipedia.org.

مدارات وأنواع أقمار التصوير الصناعي

يمكن وضع الأقمار الصناعية في مدارات مختلفة حسب مهمتها، حيث تحدد المدار سرعة القمر وتغطيته وتكرار مروره فوق نقطة معينة. أكثر نوعين شائعين من المدارات لأقمار تصوير الأرض هما المدار الجغرافي الثابت والمدار القطبي المتزامن مع الشمس (نوع من المدارات المنخفضة)، ولكل منهما خصائص مميزة:

  • المدار الجغرافي الثابت (GEO): يدور القمر الصناعي في هذا المدار على ارتفاع حوالي 35,786 كم فوق خط الاستواء، ويستغرق 24 ساعة ليتم دورة واحدة حول الأرض، متزامنًا مع دوران الأرض esa.int. وبهذا يبقى القمر الصناعي ثابتًا فوق نقطة واحدة على خط الاستواء. تتيح هذه الأقمار مراقبة نفس المنطقة الكبيرة بشكل مستمر (حوالي ثلث سطح الأرض) من موقع مرتفع esa.int. يعتبر هذا المدار مثاليًا للمهمات التي تتطلب مراقبة دائمة مثل أقمار الأرصاد الجوية التي تتبع حركة السحب والعواصف في الوقت الحقيقي esa.int. أما العيب فيكمن في دقة الصور المنخفضة بسبب ارتفاع المدار الكبير – أي أن التفاصيل أقل وضوحًا لكن التغطية واسعة ودائمة.
  • المدار الأرضي المنخفض (LEO)، القطبي المتزامن مع الشمس: تتراوح المدارات الأرضية المنخفضة من حوالي 500 إلى 1000 كم ارتفاعًا، وتتم الدورة الكاملة للقمر حول الأرض خلال 90-100 دقيقة eos.com. تستخدم العديد من أقمار مراقبة الأرض مدارًا قطبيًا (يمر بالقرب من القطبين) يكون متزامنًا مع الشمس – أي يعبر خط الاستواء في كل مرة بنفس الوقت المحلي earthdata.nasa.gov. وهذا يضمن ثبات ظروف الإضاءة في الصور الملتقطة. الأقمار في هذا المدار أقرب للأرض فتنجز earthdata.nasa.gov صورًا بدقة مكانية أعلى وتغطي مناطق مختلفة في كل دورة مع دوران الأرض تحتها. يمكن لقمر صناعي قطبي واحد أن يعاود زيارة نفس الموقع كل عدة أيام إلى أسابيع (مثل دورة لاندسات كل 16 يومًا)، ولكن عند استخدام كوكبات من عدة أقمار يمكن تحقيق تغطية شبه يومية. يستخدم هذا المدار غالبًا لأغراض رسم الخرائط، مراقبة البيئة، وأقمار التجسس. على سبيل المثال، يدور قمر Aqua التابع لوكالة ناسا على ارتفاع ~705 كم في مدار متزامن مع الشمس، ويوفر تغطية عالمية لسطح الأرض كل يوم أو يومين earthdata.nasa.gov.

تشمل أنواع المدار الأخرى المدار الأرضي المتوسط (MEO) (~2,000–20,000 كم) ويُستخدم أساسًا لأنظمة الملاحة مثل GPS (مدارات تدوم 12 ساعة) earthdata.nasa.gov earthdata.nasa.gov، وكذلك المدارات البيضاوية جدًا للاتصالات أو الرصد الخاص (مثل مدارات مولنيا). وبشكل عام، كلما كان المدار أقرب كانت التفاصيل أدق لكن مساحة التغطية أصغر، بينما المدارات الأعلى تغطي مساحات أوسع مع تفاصيل أقل دقة. يلخص الجدول الأول الفروق الأساسية بين مدارات الأقمار الجغرافية الثابتة والمدارات القطبية المتزامنة مع الشمس:

نوع المدارالارتفاعفترة المدارخصائص التغطيةالاستخدامات النموذجية
مدار ثابت بالنسبة للأرض (GEO)حوالي 35,786 كم فوق سطح الأرض esa.intحوالي 24 ساعة (مطابق لدورة دوران الأرض) esa.intرؤية ثابتة لمنطقة واحدة (تغطية مستمرة)؛ يرى القمر الصناعي الواحد حوالي ثلث الأرض esa.intمراقبة مستمرة للطقس (مثل الأعاصير)، الاتصالات esa.int.
مدار قطبي منخفض متزامن مع الشمسحوالي 500–800 كم ارتفاع earthdata.nasa.govحوالي 90–100 دقيقة لكل دورة eos.comتغطية عالمية على شكل شرائح؛ تدور الأرض تحت المسار مما يسمح بتغطية كاملة عبر دورات متكررة. يعبر المدار المتزامن مع الشمس خط الاستواء في نفس الوقت المحلي للحصول على إضاءة متناسقة earthdata.nasa.gov.رصد الأرض عالي الدقة (رسم خرائط الأراضي، التصوير البيئي والعسكري). هناك حاجة لعدة أقمار صناعية لإعادة الزيارة اليومية. أمثلة: لاندسات، سينتينل-2.

ملاحظة: تستخدم العديد من كوكبات التصوير مدارات منخفضة متزامنة مع الشمس لرسم خرائط عالمية، بينما تستخدم المدارات الثابتة بالنسبة للأرض بواسطة الأقمار الصناعية للطقس (مثل قمر GOES التابع لـ NOAA) لمراقبة نصف الكرة باستمرار.

مجسات وتقنيات التصوير

يمكن تصنيف مجسات الأقمار الصناعية بحسب تقنية التصوير والجزء من الطيف الكهرومغناطيسي الذي تقيسه. تشمل الأنواع الرئيسية الكاميرات البصرية، ماسحات متعددة/فائقة الأطياف، ومجسات الرادار. كل نوع له قدرات فريدة:

  • التصوير البصري (مرئي/أشعة تحت حمراء): تعمل هذه المجسات مثل الكاميرا، تكتشف ضوء الشمس المنعكس في نطاقات طول موجي واسعة (عادة في الطيف المرئي وقريب الأشعة تحت الحمراء). تنتج صوراً مشابهة للصور الجوية أو “صور الأقمار الصناعية”. يمكن أن تكون الصور البصرية بألوان حقيقية (كما تراها العين البشرية) أو بألوان زائفة (باستخدام نطاق الأشعة تحت الحمراء لإظهار الغطاء النباتي، إلخ). هذه المجسات سلبية، تعتمد على إضاءة الشمس earthdata.nasa.gov earthdata.nasa.gov. وبالتالي لا يمكنها الرؤية عبر السحب أو ليلاً، إذ تحجب السحب ضوء الشمس ولا يوجد إضاءة على الجانب الليلي من الأرض earthdata.nasa.gov earthdata.nasa.gov. كان التصوير البصري حجر الأساس لبرامج مثل لاندسات والأقمار الصناعية التجارية. التقطت الأقمار البصرية الأولى صور بانكروماتية (أبيض وأسود) على فيلم؛ أما الحديثة فتستخدم مجسات رقمية. بإمكان الأقمار البصرية عالية الدقة اليوم تمييز تفاصيل دون المتر – على سبيل المثال، يوفر WorldView-2 من Maxar دقة بانكروماتية تقارب 0.46 متر en.wikipedia.org. الصور البصرية سهلة التفسير وشائعة الاستخدام للخرائط والتحليل البصري، لكنها تعتمد على حالة الطقس.
  • الحساسات متعددة وفائقة الأطياف: هذه مجسات بصرية متقدمة تلتقط بيانات عبر عدة نطاقات طيفية منفصلة بدلاً من قناة لونية واحدة واسعة. عادة تشير متعددة الأطياف إلى أجهزة تلتقط 3 إلى 10 نطاقات منفصلة (كالمرئية وقريب وفوق الحمراء)، مثل جهاز TM ذو 7 نطاقات في لاندسات أو جهاز سينتينل-2 ذو 13 نطاقاً. بينما فائقة الأطياف تشير إلى أجهزة تلتقط عشرات إلى مئات النطاقات الضيقة والمتجاورة، بحيث تلتقط طيفاً متواصلاً لكل بكسل en.wikipedia.org en.wikipedia.org. في الصور الفائقة الأطياف، يحتوي كل بكسل على طيف انعكاس تفصيلي يمكن استخدامه للتعرف على المواد (معادن، أنواع نباتية، ملوثات) بدقة عالية. التمييز ليس فقط في عدد النطاقات بل أيضاً في تواصلها – إذ أن الصور متعددة الأطياف لا توفر طيفاً كاملاً لكل بكسل بينما الصور الفائقة الأطياف تفعل ذلك (مثلاً 400–1100 نانومتر بنطاق 1 نانومتر) en.wikipedia.org. أُطلقت تقنية التصوير الفائق الطيف لأول مرة في الثمانينيات عبر أجهزة مثل AVIRIS التابعة لناسا en.wikipedia.org. تجمع الحساسات متعددة الأطياف بين وفرة المعلومات وحجم بيانات معقول، بينما تنتج الحساسات فائقة الأطياف كماً ضخماً من البيانات ودقة مكانية أقل أو شريط تصوير أضيق أحياناً. كلا النوعين ثمين: الصور متعددة الأطياف تستخدم عادة لتصنيف الغطاء الأرضي (تمييز الماء، التربة، المحاصيل، الغابات)، والأنظمة فائقة الأطياف لتحليل متقدم مثل التنقيب المعدني، رصد اجهاد المحاصيل، والمراقبة البيئية متى تطلبت التوقيعات الطيفية الدقيقة. على سبيل المثال، برنامج لاندسات (متعدد الأطياف) يراقب الغطاء الأرضي العالمي منذ عقود en.wikipedia.org، بينما تتمكن أقمار فائقة الطيف الحديثة (مثل PRISMA الإيطالي أو المهمات الجديدة القادمة) من كشف الفروق البيوكيميائية الخفية في النباتات أو التكوينات الجيولوجية.
  • الأشعة تحت الحمراء الحرارية: العديد من الحساسات البصرية متعددة الأطياف تتضمن أيضاً نطاقات الأشعة تحت الحمراء الحرارية (مثل جهاز TIRS في لاندسات) والتي تقيس الإشعاع الحراري المنبعث من سطح الأرض. تظهر الصور الحرارية فروق في درجات الحرارة، مفيدة لرصد حرائق الغابات، جزر الحرارة في المدن، أو درجات حرارة سطح البحار ليلاً. هذه المجسات سلبية لكنها تعمل في نطاق طيفي مختلف (تحت الحمراء الطويلة) ويمكنها العمل ليلاً أو نهاراً (حيث تصدر الأرض حرارة حتى في غياب الشمس). رغم ذلك، عادة ما تكون دقة الصور الحرارية أقل كثيراً (عشرات إلى مئات الأمتار) بسبب محدودية المجسات.
  • التصوير الراداري (رادار الفتحة الاصطناعية – SAR): مجسات الرادار نشطة – ترسل إشارات ميكروويف باتجاه الأرض وتقيس الإشعاعات المرتدة. أشهر نوع هو رادار الفتحة الاصطناعية حيث تستخدم حركة القمر لتشكيل “هوائي افتراضي” ضخم الحصول على صورة عالية الدقة. تعمل أقمار الرادار في أطوال موجية مثل حزمة X، حزمة C، أو حزمة L الميكروويفية. والأهم أن الرادار يخترق الغيم ويعمل في الظلام، ما يوفر صور على مدار الساعة وفي جميع الظروف المناخية earthdata.nasa.gov. وتبدو الصور مختلفة عن البصرية – إذ يقيس الرادار خشونة السطح والرطوبة، فيظهر الماء باللون الداكن (مرتد قليل) وتبدو المدن أو الجبال لامعة. SAR بالغ الأهمية في تطبيقات مثل رصد التشوهات الأرضية (زلازل، هبوط)، كشف السفن أو الفيضانات تحت السحب، ومراقبة المناطق الاستوائية كثيرة الغيوم. أمثلة: سينتينل-1 الأوروبي (رادار C-band) وأقمار رادار تجارية مثل TerraSAR-X وCapella Space. الأقمار الأولى في التسعينات (مثل RADARSAT-1 الكندي) قدمت دقة ~10 متر، واليوم تحقق أفضل أقمار SAR دقة متر أو أفضل mdpi.com (COSMO-SkyMed الإيطالي وTerraSAR-X الألماني من العام 2007 كانا من أوائل من بلغ ~1 متر دقة mdpi.com). يحتاج تفسير صور الرادار إلى خبرة أعمق، لكنه يوسع قدرة الرصد إلى حيث تعجز القوة البصرية (الليل، الغيم) بل وبإمكانه اختراق بعض الأسطح (مثلاً يمكن للرادار حزمة L اختراق الغطاء النباتي أو الرمل الجاف للكشف عن ميزات خفية).

تقنيات التصوير: تستخدم الأقمار أساليب متنوعة لالتقاط الصور. غالبية الأقمار الضوئية ومتعددة الأطياف الحديثة تعتمد ماسح الخط (push-broom scanner): مصفوفة خطية من المجسات تقرأ صورة خطية واحدة تلو الأخرى عند مرور القمر على المسار en.wikipedia.org. ويختلف هذا عن ماسحات “المكنسة” التقليدية (whisk-broom)، التي تمسح بمستشعر واحد يميناً ويساراً لالتقاط شرائح من الأرض en.wikipedia.org. أنظمة push-broom (وأحياناً تدعى كاميرات الخط) ليس بها أجزاء متحركة إلا حركة القمر وتتميز بنوعية إشارة أعلى ولذا أصبحت شائعة (مثلاً في Sentinel-2, WorldView وغيرها). بعض الأنظمة تلتقط صورة إطارية (لقطة ثنائية الأبعاد مرة واحدة) باستخدام مصفوفة نقطية – وهذا أكثر شيوعاً في الكاميرات الجوية والأقمار التجسسية الأولى (التي استخدمت الأفلام فعلياً). أما في التصوير الفائق الطيف، تستخدم تقنيات متخصصة مثل المسح الفراغي (خطية مع بصريات تحليلية) أو المسح الطيفي (مرشحات قابلة للتعديل تلتقط كل موجة على حدة) en.wikipedia.org en.wikipedia.org. يعمل رادار الفتحة الاصطناعية بشكل مختلف – إذ يحرك الهوائي ويعالج الارتدادات “دوبلر” للحصول على صورة بدقة أعلى بكثير من حجم الهوائي الفعلي.

جانب حاسم آخر في التصوير هو وجود دقات وضوح مختلفة تصف جودة الصورة وفائدتها:

  • الدقة المكانية: حجم صورة البكسل الواحد على الأرض (مثلاً 30 متر للاندسات، 50 سم لـWorldView). يحدد أصغر جسم يمكن تمييزه. الدقة المكانية الأعلى (حجم بكسل أصغر) تكشف تفاصيل أكثر. على سبيل المثال، كاميرا MODIS على أقمار Terra/Aqua التابعة لناسا لديها بكسل من 250 متر حتى 1 كم، ما يناسب الخرائط الإقليمية إلى العالمية، بينما الأقمار الصناعية التجارية التي تقل دقة بكسلها عن 1 متر يمكنها تحديد المركبات الفردية en.wikipedia.org. الدقة المكانية تعتمد على بصريات الحساس وارتفاع المدار earthdata.nasa.gov earthdata.nasa.gov.
  • الدقة الطيفية: القدرة على تمييز الفروق الطفيفة في الأطوال الموجية – عملياً عدد وأبعاد الحزم الطيفية. المستشعرات متعددة الأطياف ذات الحزم الواسعة أقل دقة طيفية، بينما المستشعرات الفائقة الطيفية التي تحتوي مئات الحزم الضيقة تملك دقة طيفية عالية جداً earthdata.nasa.gov. مثلاً، أداة مثل AVIRIS تقيس 224 قناة طيفية متجاورة، محققة دقة طيفية متناهية تسمح بتمييز بين المعادن أو أنواع النباتات المختلفة earthdata.nasa.gov. بشكل عام، المزيد من الحزم/الحزم الأضيق = دقة طيفية أعلى، ما يتيح تحديد المواد بمزيد من التفاصيل earthdata.nasa.gov earthdata.nasa.gov.
  • الدقة الزمنية (تكرار الزيارة): عدد المرات التي يمكن فيها تصوير نفس الموقع على الأرض من قبل القمر الصناعي. هذا يعتمد على المدار وكوكبة الأقمار الصناعية. الأقمار الثابتة بالنسبة للأرض تملك مراقبة شبه مستمرة لمنطقة محددة (دقة زمنية في حدود دقائق، فهي تلتقط صوراً كل عدة دقائق لفيديوهات الطقس) earthdata.nasa.gov. أما الأقمار القطبية الدائرة، فالدقة الزمنية تتراوح من يومياً (للحساسات بعرض تغطية كبيرة مثل MODIS) إلى أكثر من أسبوع (للأدوات ذات التغطية الضيقة مثل لاندسات بـ 16 يوماً) earthdata.nasa.gov. مثلاً، سنتينل-2 يزور الموقع كل 5 أيام بفضل وجود قمرين، و Terra/MODIS تكرر الزيارة خلال 1-2 يوم earthdata.nasa.gov. التكرار الزمني العالي مهم جداً لمراقبة الظواهر المتغيرة بسرعة (الطقس، الكوارث)، بينما في تطبيقات أخرى يمكن التضحية بالتكرار الزمني مقابل تحقيق دقة مكانية/طيفية أعلى earthdata.nasa.gov. ويتم الاستعانة بعدد من الأقمار الصناعية في مدارات منسقة (كوكبات) لتحسين التكرار – فمثلاً Planet Labs تدير أكثر من 150 قمر مصغر لتحقيق تصوير يومي للعالم.
  • الدقة الإشعاعية: حساسية الحساس لفروقات شدة الإشارة، وعادة ما تقاس بعدد البتات لكل بكسل (مثلاً 8 بت = 256 مستوى رمادي، 11 بت = 2048 مستوى، إلخ). زيادة الدقة الإشعاعية تعني قدرة الحساس على اكتشاف فروقات أدق في السطوع أو الحرارة. غالباً ما تملك الحساسات الضوئية الحديثة دقة إشعاعية بين 10 و12 بت أو أكثر، ما يُحسّن القدرة على تمييز التباينات الدقيقة (هام في تطبيقات مثل لون المحيطات أو صحة النبات). مثلاً، تمييز فروق طفيفة في لون المياه لمراقبة جودتها يتطلب دقة إشعاعية مرتفعة earthdata.nasa.gov earthdata.nasa.gov.

هناك دائماً مقايضات أساسية: القمر الصناعي الذي يملك دقة مكانية وطيفية عالية جداً قد يغطي مساحة أقل أو يملك تكرار زمني أقل بسبب حدود حجم البيانات earthdata.nasa.gov. يجب على المصممين موازنة هذه العوامل حسب أهداف كل مهمة.

التطبيقات الرئيسية للصور الفضائية

أصبحت الصور الفضائية لا غنى عنها في مجموعة واسعة من المجالات. أدناه بعض من أهم مجالات الاستخدام وكيفية الاستفادة من الصور الفضائية في كل منها:

رصد البيئة والمناخ

يُعد مراقبة بيئة الأرض ومناخها من الاستخدامات الأساسية للصور الفضائية. نظراً لأن الأقمار الصناعية توفر رؤية عالمية ومتكررة، فهي مثالية لتتبع التغيرات البيئية مع مرور الوقت.

  • رصد المناخ: تساعد الأقمار الصناعية في قياس المتغيرات المناخية الرئيسية مثل توجهات درجات الحرارة العالمية وتركيب الغلاف الجوي وامتداد الجليد. فعلى سبيل المثال، ترسم أجهزة التصوير الحراري دون الحمراء درجات الحرارة لسطح البحر واليابسة حول العالم، موفرة بيانات لنماذج المناخ. تلتقط الأقمار القطبية كـAqua/Terra التابعة لناسا (بحساسات MODIS) ملاحظات يومية للجسيمات الدقيقة وغازات الاحتباس الحراري وخصائص السحب. وتتابع مهمات متخصصة (مثل OCO-2 لثاني أكسيد الكربون أو Sentinel-5P لجودة الهواء) الغازات النزرة والأوزون في الغلاف الجوي. تتتبع الأقمار أيضاً حجم ثقب الأوزون وامتداد أغطية الجليد القطبي والأنهار الجليدية سنة بعد سنة. هذه البيانات طويلة الأمد هامة جداً لأبحاث تغير المناخ وسياسته الدولية.
  • التغير البيئي والأنظمة البيئية: تُستخدم أقمار رصد الأرض (لاندسات، سنتينل-2، إلخ) لمتابعة إزالة الغابات، التصحر، وتغير النظم البيئية. “عبر الاستشعار عن بعد… يمكن للمتخصصين مراقبة تغير الغطاء النباتي، والغطاء الأرضي، والمسطحات المائية”، ما يساهم في اكتشاف فقدان التنوع الحيوي وتدهور الأراضي satpalda.com. مثلاً، يمكن لسلاسل زمنية من صور الأقمار الفضائية كشف فقدان الغابات المطيرة في الأمازون أو تقلص الأراضي الرطبة. تستخدم الحكومات والمنظمات غير الحكومية هذه البيانات في تنفيذ قوانين الحماية (مثل رصد قطع أو تعدين غير قانوني في المناطق المحمية satpalda.com). وتسمح الأقمار أيضاً بتحديد صحة المواطن البيئية – حيث تتيح الصور متعددة الأطياف حساب مؤشرات كالـNDVI (مؤشر الفرق الطبيعي للنباتات) التي تعبر عن خضار النبات وحيويته. يساعد ذلك في تتبع إجهاد الجفاف، وصحة الغابات (مثل مناطق الإصابة بالحشرات أو آثار الحرائق)، وتقدير إنتاجية المحاصيل (تداخل مع الزراعة).
  • المحيطات والمياه: تتابع الأقمار البيئية ازدهار الطحالب، والتسربات النفطية، وجودة المياه في البحار والبحيرات عن طريق كشف تغييرات اللون (باستخدام حزم طيفية حساسة للكلوروفيل أو العكارة). كما ترصد الغطاء الثلجي والأنهار الجليدية على اليابسة، التي تعتبر مصدر الأنهار – وهو عامل مهم لإدارة الموارد المائية في ظل تقلبات المناخ. تقيس المجسات الميكروية (رادارات قياس الارتفاع) ارتفاع مستوى سطح البحر وحالة الجليد البحري.
  • الأرصاد الجوية والأنظمة المناخية: توفر أقمار الطقس الجغرافية الثابتة (مثل GOES التابع لـNOAA أو Meteosat من EUMETSAT) صوراً مستمرة لأنماط السحب وتطور العواصف والأنظمة المناخية الواسعة. هي لا غنى عنها لمتابعة الأعاصير، وتوقع الظواهر الجوية الشديدة، ومتابعة ظواهر كـ”النينيو/النينيا” (من خلال الرصد المستمر لدرجة حرارة سطح البحر وأنماط السحب). تكملها الأقمار القطبية بحساسات الأشعة تحت الحمراء والميكرويية التي توفر مقاطع رأسية لدرجة الحرارة والرطوبة، وتُغذي بذلك نماذج التوقعات الرقمية للطقس.

خلاصة القول أن الصور الفضائية تتيح رؤية عالمية للتغيرات البيئية يصعب جداً تحصيلها من الأرض. وهي تدعم الجهود الدولية مثل تقييم تغير المناخ (مثلاً من خلال توثيق ذوبان الجليد، معدلات إزالة الغابات، انتشار التلوث الجوي). وأظهرت بيانات الأقمار الصناعية، على سبيل المثال، اتجاهات اخضرار أو اصفرار الغطاء النباتي بسبب تغير المناخ ورسمت خريطة التوزيع العالمي للملوثات الجوية. مثال على الرصد البيئي عبر الأقمار الصناعية نجده في الشكل 1 حيث تظهر صورة Landsat أنماط الري في الحقول الزراعية، مبرهنة كيف يمكن للأقمار رصد صحة النباتات واستخدام المياه:

الشكل 1: صورة فضائية لحقول زراعية مروية وقناة ري (خط قطري) في جنوب أوكرانيا، التقطها القمر الصناعي لاندسات 8 في 7 أغسطس 2015. تُعرض الصورة بالألوان الحقيقية (باستخدام النطاقات الأحمر، الأخضر، الأزرق). تظهر أنماط “دوائر المحاصيل” الناتجة عن الري الدائري المحوري. تُستخدم مثل هذه الصور في المراقبة الزراعية – حيث تظهر المحاصيل الصحية باللون الأخضر، وتساعد الأشكال المميزة في تحديد ممارسات الري commons.wikimedia.org. تشير الدوائر الخضراء الزاهية إلى غطاء نباتي قوي يُروى بنشاط، في حين قد تشير المناطق الباهتة أو البنية إلى الحقول البور أو الجافة. (مصدر الصورة: برنامج لاندسات التابع لهيئة المساحة الجيولوجية الأمريكية/ناسا، معالجة بواسطة أناستاسيا تيتشايفا.)

الزراعة والغابات

تلعب الصور الفضائية دورًا حيويًا في الزراعة وإدارة الغابات، وغالبًا ما تندرج تحت مظلة “الزراعة الدقيقة” وإدارة الموارد المستدامة:

  • مراقبة المحاصيل: تتيح الصور متعددة الأطياف للمزارعين والمحللين مراقبة حالة المحاصيل على مساحات واسعة. تختلف استجابة نطاقات الضوء الطيفية (خصوصًا القريب من الأشعة تحت الحمراء) حسب صحة النبات – إذ تعكس النباتات الصحية الأشعة تحت الحمراء بقوة. من خلال حساب مؤشرات مثل NDVI من بيانات الأقمار الصناعية، يمكن تحديد إجهاد المحاصيل بسبب الجفاف أو المرض أو نقص العناصر الغذائية. “باستخدام الصور متعددة وفائقة الأطياف، يمكن للمزارعين تحديد الإصابات، ومراقبة صحة المحصول، وتحسين ممارسات الري” satpalda.com. على سبيل المثال، يمكن للبيانات الفضائية أن تكشف عن المناطق التي تعاني من نقص المياه (تبدو أقل خضرة) لكي يتم تعديل الري، أو تكتشف العلامات المبكرة لغزو الآفات من خلال الإشارات الطيفية غير المعتادة. وهذا يُمكّن الزراعة الدقيقة – أي استخدام المياه أو الأسمدة أو المبيدات فقط في الأماكن اللازمة، مما يزيد الغلة ويقلل من الأثر البيئي satpalda.com.
  • تقدير مساحة وغلة المحاصيل: تستخدم الحكومات والمنظمات الصور الفضائية لتقدير المساحات المزروعة بالمحاصيل الرئيسية وتوقع الغلات. حيث يمكن للأقمار الصناعية تصوير المناطق الزراعية الشاسعة بشكل متكرر، فهي توفر معلومات حديثة عن مراحل تطور المحاصيل وأي أضرار (من الفيضانات أو العواصف أو الجفاف). عادة كان هذا يُجرى ببيانات متوسطة الدقة (مثل لاندسات وسنتينيل-2 بدقة 10–30 متراً، والتي يمكنها رصد التغيرات على مستوى الحقل). أما اليوم، تتيح الصور اليومية من بلانت سكوب أو صور الأقمار التجارية عالية الدقة حتى عدّ صفوف النباتات أو تحديد أنواع المحاصيل. يتم استخدام هذه البيانات في تقييمات الأمن الغذائي وأسواق السلع الزراعية.
  • الغابات: تُستخدم الأقمار الصناعية لإدارة الغابات عبر تتبع إزالة الغابات وإعادة الغرس وصحة الغابات. “تُستخدم الصور الفضائية عالية الدقة في إدارة الغابات لتتبع صحة الغابات عبر الزمن وتحديد أنشطة القطع غير المشروع للأشجار” satpalda.com. مثلاً، يتيح أرشيف لاندسات الطويل حساب تغير الغطاء الحرجي سنويًا، وتحديد الأماكن التي تم فيها إزالة الغابات. تستخدم الحكومات ذلك لفرض اللوائح ولمعرفة قطع الأشجار غير الشرعي في المناطق النائية. كما تساعد الأقمار في مراقبة صحة الغابات – اكتشاف إصابات الحشرات أو أضرار العواصف عبر تغير لون المظلة النباتية. بالإضافة لذلك، من خلال الجمع مع بيانات الارتفاع (من ليدار أو صور الأقمار الصناعية المجسمة)، يمكن تقدير الكتلة الحيوية ومخزونات الكربون في الغابات.
  • إدارة المراعي والمناطق الرعوية: في المناطق الرعوية، تساعد الصور متوسطة الدقة في مراقبة حالة المراعي (مثلاً اكتشاف الرعي الجائر من خلال النظر إلى الغطاء النباتي). يمكن أن يوجه ذلك دورات الرعي والرد على الجفاف لمربي المواشي.

بشكل عام، تتيح الأقمار الصناعية الانتقال من الإدارة الزراعية الموحدة إلى الإدارة المحددة بالموقع عبر توفير معلومات حديثة ومفصلة مكانيًا. هذا يقلل التكاليف ويحسن الاستدامة. خلال موسم النمو، يمكن للأقمار الفضائية رصد المشاكل الناشئة (مثل تحول جزء من حقل إلى اللون البني)، وبعد الحصاد، تساعد في تقييم أي الممارسات أو أنواع البذور حققت نتائج أفضل في أي مناطق. في الغابات، أصبحت المراقبة بالأقمار الصناعية مركزية في برامج REDD+ (التي تمنح حوافز للحد من إزالة الغابات) لأنها تقدم دليلاً شفافًا وقابلًا للتحقق على الغطاء الحرجي عبر الزمن.

التخطيط الحضري والبنية التحتية

في عالم سريع التحضر، تشكل الصور الفضائية مصدر بيانات رئيسي لـالتخطيط الحضري، وتطوير البنية التحتية، ورسم استخدامات الأراضي:

  • رسم خرائط النمو الحضري: عبر تحليل الصور على مدى الزمن، يمكن لمخططي المدن ملاحظة كيف تتوسع المدن وأين تحدث التنمية الجديدة. تساعد الصور الفضائية في تحديث خرائط الامتداد الحضري، مبينة تحول الأراضي الزراعية أو الغابات، مثلاً، إلى ضواحي. يستخدم المخططون ذلك لإدارة التمدد العمراني وتخطيط الخدمات. “تصوير الأقمار الصناعية أداة لا غنى عنها في التخطيط الحضري الذي يساعد في رسم وتتبع تغيرات استخدام الأرض، وتطوير البنية التحتية، والنمو الحضري” satpalda.com. الصور عالية الدقة (أقل من متر) مفصلة بما يكفي لعرض المباني الفردية والطرق وحتى المركبات، ما يسمح برسم خرائط دقيقة للإنشاءات الجديدة أو التجمعات العشوائية euspaceimaging.com. مثلاً، يمكن للمخططين تحديد مواقع التعديات غير المصرح بها أو معرفة الأماكن التي تبنى فيها طرق جديدة حتى قبل أن تظهر في المسوحات الميدانية.
  • البنية التحتية والنقل: تدعم الصور الفضائية التخطيط للطرق والسكك الحديدية وشبكات الخدمات عبر تقديم سياق جغرافي حديث. يضيف المخططون مسارات البنية التحتية المقترحة فوق الصور الحديثة لتجنب التضارب مع المنشآت القائمة أو العوائق الطبيعية. كما يمكن مراقبة مشاريع البناء؛ مثلاً، تتبع تقدم بناء طريق أو توسعة مطار من الفضاء. في إدارة الأصول، تساعد الأقمار في رصد التغيرات أو المشاكل في ممرات البنية التحتية (مثل الانهيارات الأرضية التي تصيب الطرق، أو الهبوط الأرضي قرب خطوط الأنابيب). للتخطيط المروري، تظهر الصور أنماط المرور (من مؤشرات مثل الازدحام أو توسعة مواقف السيارات) واستخدام الأرض المؤثر في الطلب على التنقل.
  • البيئة الحضرية والمساحات الخضراء: تستخدم المدن بيانات الأقمار لمراقبة الجوانب البيئية – مثل رسم خرائط المساحات الخضراء، أو الغطاء الشجري، أو الأسطح الصلبة غير المنفذة. تظهر الصور الحرارية بالأشعة تحت الحمراء المناطق الحضرية الساخنة (مناطق أكثر حرارة تقل فيها النباتات وتزيد فيها الخرسانة). يوجه ذلك مبادرات تشجير المدينة واستراتيجيات التكيف المناخي. تنتج بعض المنتجات المتخصصة من بيانات الأقمار تصنيفًا لاستخدامات الأرض الحضرية (سكنية، صناعية، تجارية) بناءً على الأنماط، بل وتقدر توزيع السكان من تحليل كثافة وأحجام المباني.
  • تحديثات الخرائط والسجلات العقارية: يُعد الحفاظ على الخرائط الأساسية المحدثة حاجة جوهرية لإدارة المدن. توفر الأقمار صورًا حديثة يمكن استخدامها لتحديث طبقات نظم المعلومات الجغرافية لأشكال المباني والطرق والمعالم. هذا مهم بشكل خاص في المناطق التي يتأخر فيها المسح الأرضي عن وتيرة التطور العمراني. وغالبًا ما تعتمد المؤسسات الكارتوغرافية على الصور التجارية عالية الدقة التي تظهر حتى المنازل الفردية، أو تستخدمها خدمات كـ Google Maps لطبقات العرض الفضائي الخاصة بها en.wikipedia.org. تُصحح الصور هندسيًا (تصحيح مكاني) لتكون خلفية دقيقة لمشاريع رسم الخرائط. أما لرسم الخرائط العقارية (الطابو)، تُستخدم الصور لكشف التعديات والاستخدام الفعلي للأراضي والقطع.
  • مخاطر الكوارث والقدرة الحضرية على الصمود: (تتداخل مع قسم الكوارث) يستخدم المخططون أيضًا بيانات الأقمار لتحديد المناطق المعرضة للمخاطر في المدن – مثلاً الأحياء المنخفضة الظاهرة في خرائط الفيضانات أو المناطق المكتظة المعرضة للزلازل. توفر الصور عالية الدقة قبل الحوادث بيانات أساسية للتخطيط للمخاطر (طرق الإخلاء وغيرها)، وتُستخدم الصور بعد الحوادث في تخطيط التعافي.

باختصار، توفر الصور الفضائية لمخططي المدن رؤية محدثة بشكل متكرر وواسعة النطاق للمشهد الحضري. فهي تضمن أن تكون القرارات التخطيطية مبنية على الواقع الحالي وليس على خرائط قديمة. لقد تطور دمج الصور في نماذج المدن ثلاثية الأبعاد ونظم المعلومات الجغرافية بشكل كبير، ما أتاح تصور السيناريوهات الافتراضية (مثل رؤية كيف سيبدو الطريق أو التوسع الجديد باستخدام صور حقيقية كخلفية). ومن خلال الكشف الفوري عن تغيرات استخدام الأرض، يمكن للسلطات الحضرية الاستجابة بسرعة للتطور غير القانوني أو احتياجات البنية التحتية.

الاستجابة للكوارث وإدارة الطوارئ

من أهم الاستخدامات الإنسانية للصور الفضائية هو إدارة الكوارث – سواء في الاستعداد لها أو الاستجابة للطوارئ:

  • التقييم السريع للأضرار: بعد الكوارث الطبيعية مثل الزلازل أو الأعاصير أو الفيضانات أو حرائق الغابات، غالبًا ما تكون الصور الفضائية الأسرع في تقدير حجم الأضرار عندما يصعب الوصول للميدان. “تساعد بيانات الأقمار الصناعية في تنظيم عمليات الإغاثة وتقدم معلومات فورية عن حجم الأضرار أثناء الكوارث الطبيعية” satpalda.com. فمثلاً، خلال ساعات من وقوع زلزال كبير، يمكن للأقمار التقاط صور عالية الدقة للمدينة المتضررة ليتمكن المستجيبون من رؤية المباني المنهارة أو الطرق المغلقة أو مخيمات النازحين. ويُعد أسلوب المقارنة بين الصور قبل وبعد الحدث طريقة شائعة: حيث يجري تراكب صور ما قبل الكارثة مع ما بعدها لتحديد المناطق الأكثر تضررًا بسرعة satpalda.com. استُخدم هذا بشكل مكثف في أحداث مثل زلزال هايتي 2010 أو انفجار بيروت 2020 – فقد كشفت الصور الفضائية عن أحياء تعرضت للدمار الكامل. وتقوم منظمات مثل الأمم المتحدة بتفعيل الميثاق الدولي للفضاء والكوارث الكبرى، والذي يتيح مهمة تصوير الأقمار من عدة دول مجاناً في الأزمات، لضمان توفر صور حديثة.
  • رصد الفيضانات والعواصف: خلال الفيضانات أو الأعاصير الكبرى، تتبع الأقمار الفضائية (خصوصًا الرادارية والأقمار ذات التكرار العالي للرصد) الكارثة في الوقت شبه الحقيقي. بالنسبة للفيضانات، تعد الصور الرادارية مفيدة للغاية لأنها تخترق الغيوم: تظهر المناطق المغمورة بالمياه كأسطح داكنة وملساء على صور الاستشعار الراداري، ما يحدد مدى الفيضان حتى تحت الغيوم. وهذا يساعد مديري الطوارئ في تحديد المجتمعات المتأثرة وخطط الإجلاء وتوزيع الإغاثة. وفي استجابة الأعاصير، تراقب الأقمار الجوية مسار العاصفة أثناء الحدث، وبعدها توفر الأقمار البصرية صورًا واضحة للمنطقة المتضررة (مثلاً، لمعرفة البلدات المعزولة بسبب الأنقاض أو الجسور المنهارة). أما لحرائق الغابات، فإن أقمار ناسا مثل MODIS وVIIRS تكتشف مواقع البؤر النشطة ونطاق الحريق حتى عبر الدخان؛ مما يوجه جهود الإطفاء إلى أكثر المواقع المتضررة.
  • رسم الخرائط الطارئة واللوجستيات: بعد الكارثة مباشرة، تستخدم فرق رسم خرائط متخصصة الصور الفضائية لإنتاج خرائط طوارئ توضح الطرق القابلة للاستخدام والبنية التحتية المتضررة ومواقع تجمع اللاجئين. ظهر هذا في الاستجابة للتسونامي والأعاصير الكبيرة، حيث حددت خرائط الأقمار الطرق القابلة لعبور قوافل الإغاثة وأماكن تجمع الناجين. ولأن الأقمار تغطي مساحات واسعة، فهي مفيدة خصوصًا عندما تضرب الكوارث مناطق نائية أو واسعة (مثل رسم أثر تسونامي المحيط الهندي 2004 على الساحل بأكمله). كما تكشف الصور عن التهديدات الثانوية – كأن تبين الصور بعد الزلزال إذا كان انزلاق أرضي قد سد نهرًا (مهددًا بإحداث فيضان لاحق) ليستجيب المسؤولون بسرعة.
  • الاستعداد للكوارث: قبل وقوع الكوارث، تُستخدم الصور لرسم خرائط المناطق المعرضة للمخاطر ونمذجة الآثار. فمثلاً، تُستخدم نماذج الارتفاع عالية الدقة المشتقة من الأقمار مع الصور لتحديد مناطق الفيضانات؛ كما تُدخل خرائط استخدام الأرض من الصور في نماذج مخاطر حرائق الغابات (مثل تحديد مناطق التماس الحضري-الريفي). وتساعد الصور الدورية في مراقبة سلامة الدفاعات الطبيعية (كالسبخات والسدود أو الغطاء النباتي على المنحدرات الشديدة). علاوة على ذلك، في الكوارث البطيئة مثل الجفاف، تتبع الأقمار مؤشرات كصحة الغطاء النباتي ومستوى الخزانات لتحذيرات مبكرة بشأن أزمات الأمن الغذائي.

بوجه عام، توفر الصور الفضائية تقييمًا محايدًا وحديثًا لا يقدر بثمن لفرق الاستجابة السريعة ومنظمات الإغاثة. فهي توسّع الرؤية – بحيث يمكن للمستجيبين رؤية الصورة الكلية للأثر ثم التكبير لتفاصيل محلية، وهو أمر يستحيل تحقيقه بالتقارير الميدانية فقط. وتُتيح القدرة على الحصول على المعلومات شبه الفورية (يتزايد هذا حتى ساعات، بفضل تعدد الأقمار وسرعة نظم نقل البيانات) أولوية وأثرية لتوزيع المساعدات، مما قد ينقذ الأرواح. كما تشير تقارير SATPALDA، من خلال مقارنة الصور قبل وبعد الكارثة يمكن للمسؤولين “تخصيص الموارد الأمثل وتحديد مواقع الإصلاح وتقدير مستوى الخسائر بدقة” satpalda.com.

الدفاع والاستخبارات

منذ فجر عصر الفضاء، كانت الأغراض العسكرية والاستخباراتية القوة الدافعة وراء تطوّر صور الأقمار الصناعيّة. توفر أقمار الاستطلاع (غالبًا ما تسمّى “أقمار التجسس”) قدرات مراقبة استراتيجية:

  • الاستطلاع والمراقبة: أقمار التصوير عالية الدقة التابعة للوكالات الدفاعية قادرة على التقاط صور تفصيلية للنشاطات على سطح الأرض. من الأمثلة المبكرة برنامج CORONA، وهو سلسلة من أقمار الاستطلاع الاستراتيجية الأمريكية التي شغّلها كل من وكالة المخابرات المركزية وسلاح الجو الأمريكي en.wikipedia.org. وبينما تظل التفاصيل عادة سرية، إلا أن من المعروف أن أقمار الاستطلاع الحديثة (مثل سلسلة Keyhole/CRYSTAL الأمريكية) تملك أنظمة بصرية قادرة على دقة تصل إلى عشرات السنتيمترات، ما يسمح لها بمراقبة المنشآت العسكرية، مواقع الصواريخ، تحركات القوات، وغيرها من الأهداف الاستخباراتية. هذه الأقمار أشبه بتلسكوبات تدور حول الأرض، وأحيانًا قابلة للمناورة لإعادة زيارة الأهداف المهمة بشكل متكرر. وفي الاستخدام العسكري، توفر الأقمار معلومات حرجة كان من الممكن أن تتطلب طلعات استطلاع جوي محفوفة بالمخاطر. كما أنها تحقق ذلك دون انتهاك الأجواء (بما أنها تعمل من المدار)، ما جعلها أدوات حيوية للتحقق من الالتزام بالمعاهدات (مثل مراقبة الأسلحة)، ومراقبة الخصوم، وتوجيه العمليات العسكرية.
  • الاستخبارات الجغرافية المكانية (GEOINT): تدمج وكالات الدفاع الحديثة صور الأقمار الصناعية مع بيانات أخرى لاستخلاص المعلومات الاستخباراتية. يشمل ذلك رصد التغييرات في المنشآت المعروفة (مثال: ظهور بنية تحتية جديدة، أو أنشطة غير معتادة كحركة في المطارات)، ورسم الخرائط الطبوغرافية لأغراض التخطيط، والاستهداف. تُستخدم الصور لإنتاج خرائط عالية الدقة ونماذج ثلاثية الأبعاد لمناطق العملية العسكرية (فمثلاً قبل مداهمة مجمع أسامة بن لادن، اسُتخدمت صور الأقمار لمعاينة الموقع). كما تُستخدم أقمار التصوير الراداري عبر الفتحة التركيبية Synthetic Aperture Radar في أغراض الدفاع، لقدرتها على التصوير في جميع الأحوال الجوية، ليلاً ونهاراً – وهو مفيد لرصد التمويه أو التغييرات التي قد تفوتها الصور البصرية. وتبرز حديثًا مجالات واعدة مثل رسم خرائط الترددات الراديوية (RF) من الفضاء، والصور الطيفية الفائقة لاكتشاف مواد معينة (كالوقود أو المتفجرات) عن بعد.
  • مشاركة الاستخبارات والتحليل مفتوح المصدر: الجدير بالذكر أنه مع صعود أقمار التصوير التجارية، تمت الاستعانة بمقدمي خدمات تجاريين في بعض مهام التصوير أو الاستعانة بهم كمكملين. شركات مثل Maxar وPlanet توفر صوراً عالية الدقة غير سرية يُمكن للمحللين – وحتى العامة – استخدامها لمراقبة الأحداث العالمية. فعلى سبيل المثال، خلال النزاعات أو قضايا انتشار الأسلحة، أصدرت الحكومات صور أقمار صناعية تجارية لدعم موقفها. إحدى الأمثلة: غزو روسيا لأوكرانيا عام 2022؛ فقد أسهمت صور Planet Labs اليومية في كشف تحشد القوات الروسية والمعدات قبل بدء الغزو، وظلت تُستخدم لتوثيق الأضرار والتحركات أثناء الحرب defenseone.com. أتاح هذا الأمر للديمقراطية الاستخبارية عبر الأقمار أن يستفيد محللو الاستخبارات مفتوحة المصدر (OSINT) والجهات غير الحكومية من الصور التجارية في مراقبة المواقع الاستراتيجية (مثل منشآت كوريا الشمالية النووية أو قواعد جوية سورية) defenseone.com. وقد أثار توفر صور عسكرية للعامة بعض القضايا السياسية (مثال: اعتراض بعض الدول على إظهار مواقع حساسة، رغم أن هناك قيدًا وحيدًا في الولايات المتحدة هو تعديل Kyl–Bingaman الذي يحد من وضوح الصور فوق إسرائيل، وقد تم تخفيف تقييده في 2020).
  • الملاحة والاستهداف: رغم أن هذا ليس من قبيل التصوير بالمعنى التقليدي، تجدر الإشارة إلى أن الأقمار (كمنظومة GPS) توفر بيانات مواقع أساسية للملاحة العسكرية والتوجيه. كما يمكن للأقمار التصويرية أن توجه الضربات الدقيقة عبر توفير صور حديثة للمنطقة المستهدفة قبيل العملية (لضمان دقة الإصابات وتقليل الأضرار الجانبية المحتملة). وخلال النزاعات، قد يتم تنزيل الصور قريباً من وقت الحدث لدعم الفرق الميدانية (لكن هذا يعتمد على سرعة إرسال ومعالجة البيانات).

خلاصة القول، توفر أقمار الدفاع عيناً لا تغفو تعزز بشكل كبير الوعي بالموقف. لقد كان لها دور مركزي في تحويل ميزان جمع المعلومات من الاعتماد على الطائرات والجواسيس الأرضيين إلى الوسائل الفضائية. لا تزال تفاصيل دقة وإمكانات أقمار التجسس الحديثة سرية في الغالب، إلا أن وجود تقنيات مثل الرادار الذي يخترق السحب، والأشعة تحت الحمراء للكشف عن البصمات الحرارية، وكوكبات التصوير البصري ذات العودة المتكررة يدل على مدى تطور الاستخبارات من الفضاء. ومع تطور أنظمة التحليل بالذكاء الاصطناعي (الموضحة لاحقاً)، أصبح بالإمكان معالجة سيل الصور بسرعة أكبر لاكتشاف التهديدات والتغييرات المهمة، والسعي نحو هدف أنظمة التنبيه والتحليل التلقائي (حيث يقوم الخوارزم بتحديد النشاطات المشبوهة من الصور وتوجيهها للمحلل البشري).

الملاحة ورسم الخرائط

رغم أنها أقل إثارة من الناحية الدعائية، إلا أن إحدى أكثر استخدامات صور الأقمار الصناعية شيوعًا هي في خدمات رسم الخرائط والملاحة التي يستخدمها المليارات:

  • الخرائط الأساسية والكارتوغرافيا: تعتمد العديد من الخرائط الرقمية وخدمات رسم الخرائط اليوم على الصور عالية الدقة من الأقمار الصناعية. منصات مثل Google Maps وGoogle Earth وBing Maps وغيرها تدرج طبقات من الصور الفضائية/الجوية يمكن للمستخدمين الاستفادة منها. تمنح الصور تفاصيل وسياق يتجاوز ما توفره الخرائط الشعاعية. شركات مثل Google تشتري الصور من مزودين فضائيين (كشركة Maxar) لتحديث الفسيفساء العالمية en.wikipedia.org. لقد أتاح ذلك للعامة أطلسًا كوكبيًا بتفاصيل قريبة من التصوير الفوتوغرافي. كما تستفيد وكالات رسم الخرائط الوطنية من هذه الصور لتحديث الخرائط الطبوغرافية، خصوصًا للمناطق النائية التي يصعب مسحها ميدانيا بانتظام. يتم تصحيح الصور جغرافياً وغالباً ما تُستخدم لتحويل معالم كالطرق، الأبنية، الأنهار، إلخ إلى بيانات خرائطية.
  • الملاحة وتطبيقات GPS: رغم أن أنظمة الملاحة تعتمد أساسًا على تحديد الموقع بالأقمار (GPS)، إلا أن الصور الفضائية تعزّز تطبيقات الملاحة من خلال تمكين خصائص مثل التعرف على المعالم والتحقق من محاذاة الطرق. فعلى سبيل المثال، قد تستخدم شركات التوصيل أو اللوجستيات الصور الفضائية لمعرفة توزيع المباني أو أفضل مداخل للوجهة. كما يعتمد مطورو السيارات الذاتية القيادة على الصور عالية الدقة كأساس لصنع خرائط عالية الوضوح للشوارع. وحتى للمستخدم العادي، يُسهم التحويل لعرض الصور الفضائية بالتطبيق في تحديد معالم الموقع بصريًا (كتمييز موقع محطة وقود عند زاوية بعينها).
  • المرجعية الجغرافية ونظم المعلومات الجغرافية (GIS): في نظم المعلومات الجغرافية، تشكّل الصور الفضائية طبقة بيانات أساسية. فهي توفر خلفية واقعية يمكن فوقها تثبيت طبقات بيانات أخرى (كشبكات البنى التحتية أو الحدود الإدارية أو المعطيات البيئية). وبما أن الصور مرجعة جغرافيًا، فهي تسمح بقياس المسافات والمساحات بدقة مباشرة. غالباً ما تكون الصور أول البيانات المستخدمة عند رسم خريطة لمنطقة لم تخطط مسبقًا: حيث يمكن تتبع الطرق والتجمعات السكنية من الصور الحديثة لرسم الخرائط الأساسية (يقوم مجتمع OpenStreetMap الإنساني بذلك بكثافة لتغطية المناطق المنكوبة أو المحرومة عبر تحويل الصور الفضائية لمعالم رقمية).
  • استخلاص المعالم وأتمتة الخرائط: بفضل تحسن الدقة وتطور رؤية الحاسوب، يمكن حاليًا استخراج العديد من المعالم تلقائيًا من الصور لصالح الخرائط. على سبيل المثال، يمكن للخوارزميات كشف وتحويل أشكال الأبنية، شبكات الطرق، وأنواع الغطاء الأرضي من الصور satpalda.com. يسرّع ذلك إنتاج الخرائط وتحديثها. بيانات Lidar (من مصادر جوية أو لاحقًا من الفضاء) وصور الأقمار الصناعية المجسّمة تتيح أيضًا إنشاء نماذج ارتفاعات ثلاثية الأبعاد، ومع الصور تمنح خرائط طبوغرافية دقيقة.
  • رسم الخرائط للملاحة: بجانب الخرائط البرية، تساهم الأقمار أيضاً في رسم خرائط الملاحة البحرية (مثلاً تصوير الشعاب والحواجز الساحلية في المياه الصافية لتحديث الخرائط البحرية)، وفي الطيران (رسم المعوقات والتضاريس حول المطارات).

بشكل عام، لقد ثوّرت الصور الفضائية رسم الخرائط عبر جعلها منتجات ديناميكية تُحدّث باستمرار بناءً على أحدث الرؤى من الأعلى، بدل أن تكون خرائط ورقية جامدة سريعة التقادم. على سبيل المثال، قبل عصر الأقمار، كان رسم طريق سريع جديد على الخريطة الورقية يتأخر سنوات؛ أما الآن فيمكن لصورة حديثة أن تظهره فوراً وإن لم تُحدّث البيانات الشعاعية بعد. كذلك مكنت الصور من رسم خرائط أماكن يصعب الوصول إليها أرضياً (كأحراش كثيفة أو مناطق نزاع). وكما أوردت شركة European Space Imaging فإن الصور عالية الدقة جداً كافية لإظهار خطوط الطرق، الأرصفة، المركبات، والهياكل الصغيرة – تفاصيل تصنع الفرق في خرائط المدن والتخطيط العمراني euspaceimaging.com. ومع اقترانها بـ GPS، أصبحت الملاحة الحديثة شديدة الدقة وسهلة للمستخدمين.

برامج ومزودو الأقمار الصناعية الرئيسية

تتوافر صور الأقمار الصناعية عبر مزيج من البرامج الحكومية والشركات التجارية. وفيما يلي بعض أهم البرامج والمزودين، وخصائصهم:

  • برنامج لاندسات NASA/USGS (الولايات المتحدة): سلسلة لاندسات (بدأت عام 1972) هي أقدم برامج تصوير الأرض en.wikipedia.org. تلتقط أقمار لاندسات (حاليًا لاندسات 8 و9) صوراً متعددة الأطياف بدقة 30 متراً لسطح اليابسة عالمياً، إضافة إلى نطاق حراري بدقة 100 م ونطاق بانكروماتي (أحادي اللون) بدقة 15 م. تتوفر البيانات مجانية للعامة، بفضل سياسة الانفتاح التي اعتمدت في 2008 earthobservatory.nasa.gov earthdata.nasa.gov. أصبحت لاندسات ركيزة البحث العلمي والرقابة على الموارد، إذ توفر أكثر من 50 عامًا من الرصد المستمر لدراسات تغير استخدامات الأراضي، وإزالة الغابات، ونمو المدن وغيرها en.wikipedia.org. تمر كل قمر فوق نقطة معينة كل 16 يومًا، ومع وجود قمرين تتكرر المشاهدة كل 8 أيام. وتكمن أهمية البرنامج في الدقة المتوسطة والأرشيف الطويل لتتبع التغيرات عبر عقود. (تقوم ناسا بتطوير الأقمار، وUSGS تدير تشغيلها والأرشيف).
  • كوكبة سنتينل (وكالة الفضاء الأوروبية / الاتحاد الأوروبي): تدير وكالة الفضاء الأوروبية ضمن برنامج كوبرنيكوس عدة أقمار سنتينل أطلقت منذ 2014. من أبرزها: Sentinel-1 (رادار النطاق C للتصوير في جميع الظروف الجوية)، Sentinel-2 (كاميرات بصرية متعددة الأطياف بدقة 10 م وبعودة كل 5 أيام، شبيهة بلاندسات)، Sentinel-3 (مراقبة الأرض والمحيطات بدقة متوسطة)، Sentinel-5P (مراقبة التلوث الجوي)، وغيرها. جميع بيانات سنتينل مجانية ومفتوحة عالمياً على غرار لاندسات en.wikipedia.org. يتيح البرنامج تغطية منتظمة ومتكررة لمراقبة البيئة في أوروبا والعالم، وغالبًا ما يُستخدم بالتكامل مع لاندسات (مثال: استخدام صور سنتينل-2 المتكررة مع أرشيف لاندسات الطويل). سبق لوكالة الفضاء الأوروبية برامج رصد أقدم (ERS، Envisat)، لكن أصبحت سنتينل محور قدراتها التصويرية الآن.
  • أقمار NOAA وEUMETSAT للأرصاد الجوية: لمراقبة الطقس والمحيطات تدير وكالات مثل NOAA (الولايات المتحدة) وEUMETSAT (أوروبا) أقماراً جغرافية التثبت للأرصاد (مثل أقمار GOES-East وGOES-West فوق الأمريكيتين، وأقمار Meteosat فوق أوروبا/أفريقيا، وأقمار يابان Himawari، والهند INSAT، إلخ). توفر هذه الأقمار صورًا شاملة للقارات كل 5–15 دقيقة وبدقة تقارب 0.5–2 كم وبأطياف متعددة (مرئية وتحت حمراء وبخار الماء) لمتابعة أنظمة الطقس. كما توجد أقمار جوية قطبية (سلسلة JPSS من NOAA وMetOp الأوروبية وغيرها) لتأمين تغطية عالمية لنماذج الطقس والمناخ. ورغم أن الهدف الأساس هو الطقس، إلا أن الصور مستخدمة على نطاق واسع لتطبيقات أخرى (مثال: رسم خرائط حرائق الغابات أو الثلوج يومياً). وتتوفر هذه البيانات مجاناً غالبًا بشكل لحظي، وهي ركيزة التنبؤات الجوية منذ عقود.
  • Maxar Technologies (DigitalGlobe) – الصور التجارية عالية الدقة: تعد Maxar (شركة أمريكية) المزود الرائد للصور التجارية عالية الدقة، وتدير سلسلة أقمار WorldView وGeoEye. من أشهرها: WorldView-3 (أطلق 2014) يلتقط صور بانكروماتية بدقة ~31 سم ومتعددة الأطياف ~1.2 م؛ وWorldView-2 (2009) بدقة بانكروماتية 46 سم en.wikipedia.org؛ وGeoEye-1 الأقدم بدقة ~0.5 م بانكروماتي. يمكن توجيه أقمار Maxar لتصوير أي منطقة وبدورية مرتفعة (بعضها حتى يومياً، من زوايا ملتوية). تُستخدم الصور لدى عملاء حكوميين وتجاريين لرسم الخرائط والاستخبارات العسكرية وخدمات مثل Google Maps وMicrosoft Bing (التي تشتري الصور لتغذية منصاتها)en.wikipedia.org. أرشيف Maxar يغطي عقدين ويضم مليارات الكيلومترات المربعة من الصور. بسبب التشريعات الأمريكية تتوفر أعلى دقة تجارية بنحو 30 سم (وتم منح Maxar تصريحاً لبيع دقة 30 سم). تقدم الشركة أيضاً منتجات مشتقة مثل نماذج ارتفاعات وأبنية ثلاثية الأبعاد لعملائها.
  • Planet Labs – كوكبة الأقمار التجارية الصغيرة: تدير Planet (شركة أمريكية) أكبر أسطول أقمار تصوير الأرض. أطلقت أكثر من 100 قمر Dove بحجم صندوق صغير، تصور الأرض بدقة 3–5 م (بأطياف متعددة) يومياً. هذه التغطية اليومية للعالم (PlanetScope) فريدة – فرغم الدقة المتوسطة، إلا أن التكرار كبير جداً. كما تملك Planet أقمار SkySat (استحوذت عليها من Google Terra Bella) بدقة ~50 سم وقادرة على إعادة التصوير السريع وحتى تصوير مقاطع فيديو قصيرة. ولديها سلسلة RapidEye السابقة (بدقة 5 م، توقفت 2020) en.wikipedia.org. بيانات Planet تجارية، لكن لديها برامج دعم للمنظمات غير الربحية والأبحاث. للصور اليومية أهمية كبيرة في مراقبة التغيرات السريعة: نمو المحاصيل، أضرار الكوارث يوماً بيوم، رصد النزاعات، إلخ – مما يجعلها شريط أحداث يومي للأرض. وتجسد Planet توجّه الكوكبات الرخيصة الصغيرة لتغطية التطبيقات ذات العودة الفائقة بدلاً من الاعتماد على عدد قليل من الأقمار الفاخرة المكلفة.
  • Airbus Defence & Space (الاستخبارات الأوروبية): تدير Airbus الأوروبية مجموعة من الأقمار عالية الدقة مثل SPOT 6/7 (بدقة 1.5 م ومسح واسع) وPleiades-1A/1B (بدقة 0.5 م وتفاصيل عالية جداً). كما تملك نصيباً في أقمار TerraSAR-X وPAZ الرادارية. تقدم Airbus صوراً تجارية مشابهة لـ Maxar وتخدم عملاء من أوروبا والعالم. سلسلة SPOT (منذ 1986) كانت من أول برامج التصوير التجاري ولديها أرشيف طويل بدقة 10–20 م. أضافت أقمار Pleiades (2011–2012) القدرة على التصوير بدقة تحت المتر للصناعة الأوروبية. وتُستخدم بيانات Airbus في المسح، والاستخبارات، ورصد البيئة (مع إتاحة بعض أرشيف SPOT للأبحاث بعد عدة سنوات).
  • برامج بارزة أخرى: تملك دول كثيرة أقمارها الخاصة. مثلاً، تدير المنظمة الهندية لأبحاث الفضاء (ISRO) سلسلة IRS (للاستشعار عن بعد) وسلسلة CARTOSAT عالية الدقة (~0.3 م بانكروماتي). وكالة اليابان JAXA لديها مهمات مثل ALOS (مع رادارات PALSAR وحساسات PRISM الضوئية). الصين لديها أسطول متزايد من أقمار Gaofen (بصرية ورادارية عالية الدقة) ضمن منظومة الرصد، وشركات تجارية مثل 21AT. كندا مشهورة بسلسلة RADARSAT الرادارية (الآن أيضاً كوكبة RADARSAT الجديدة). روسيا مستمرة في تشغيل Resurs-P وKanopus-V للأشعة البصرية. هناك أيضاً عشرات الشركات الناشئة الصغيرة للأقمار المتخصصة – مثل Capella Space وIceye في الرادار حسب الطلب، وGHGSat للأقمار الصغيرة لرصد انبعاثات الغازات الصناعية، وغيرها.

خلاصةً، يتكون المشهد من بيانات حكومية مجانية من الأقمار العامة (كـلاندسات وسنتينل وأقمار الطقس) وبيانات تجارية من قطاع خاص (توفر دقة فائقة أو مزايا متقدمة، ولكن مقابل تكلفة). غالباً ما يخلط المستخدمون بين النوعين – كمثال: استخدام صور سنتينل-2 المجانية بدقة 10 م للتحليل العام وشراء صورة بدقة 30 سم من Maxar لمنطقة تتطلب تفاصيل دقيقة. يبين نجاح شركات مثل Planet الارتفاع الكبير في الطلب على العودة اليومية (high-revisit)، كما يؤكد استمرار نجاح لاندسات وسنتينل أهمية البيانات المفتوحة للبحث العلمي والمصلحة العامة.

تنسيقات البيانات وإمكانية الوصول واتجاهات الاستخدام

تنسيقات البيانات: عادةً ما يتم تخزين وتوزيع صور الأقمار الصناعية في تنسيقات ملفات نقطية قياسية. أحد التنسيقات الشائعة هو GeoTIFF، وهو في الأساس ملف صورة TIFF مضمن فيه معلومات الإحداثيات الجغرافية (حتى يكون كل بكسل مرتبطًا بموقع حقيقي في العالم) equatorstudios.com earthdata.nasa.gov. تُستخدم ملفات GeoTIFF على نطاق واسع لتسليم الصور المُعالجة (مثل مشاهد لاندسات أو الصور عالية الدقة) لأنها يمكن تحميلها مباشرة في برامج نظم المعلومات الجغرافية مع التوجيه الجغرافي الصحيح. تنسيق شائع آخر لمجموعات البيانات العلمية الكبيرة هو HDF (تنسيق البيانات الهرمي) أو NetCDF، حيث يستطيع كلاهما تخزين بيانات متعددة النطاقات ومتعددة الزمن بطريقة مُستندة إلى وصف الذات earthdata.nasa.gov. فعلى سبيل المثال، توزع ناسا بيانات MODIS في ملفات HDF. وتستخدم العديد من منتجات الطقس والمناخ أيضًا NetCDF. وتزايدًا، تُستخدم تنسيقات محسّنة للسحابة مثل COG (GeoTIFF المحسن للسحابة) والتي تتيح التحميل الجزئي للصور عبر الإنترنت دون الحاجة لتنزيل الملفات بالكامل. قد يلجأ مزودو الصور أيضًا إلى تنسيقات خاصة أو متخصصة بهدف الكفاءة، لكنهم غالبًا ما يوفرون أدوات تحويل.

مستويات البيانات والمعالجة: غالبًا ما تتطلب بيانات الأقمار الصناعية الخام معالجة (معايرة إشعاعية، تصحيح هندسي، إلخ) قبل أن تصبح صالحة للاستخدام كصورة. تحدد وكالات الفضاء مستويات المعالجة (المستوى 0: القيم الخام، المستوى 1: الإشعاع مع التوجيه الجغرافي، المستوى 2: المنتجات المشتقة مثل انعكاسية السطح أو المؤشرات، إلخ) earthdata.nasa.gov earthdata.nasa.gov. معظم الصور المنشورة للعامة هي على الأقل من المستوى 1 (مع توجيه جغرافي). بعضها، مثل لاندسات المستوى 2، يتم تصحيحه من أجل تأثيرات الغلاف الجوي وجاهز للتحليل على شكل انعكاسية السطح. وقد يعتمد اختيار التنسيق على المستوى – فقد تُرسل البيانات الخام في صورة ثنائية مضغوطة، لكن المستخدمين يستلمون GeoTIFF أو HDF بعد المعالجة.

الوصول المفتوح مقابل التجاري: من الاتجاهات المحورية في العقد إلى العقدين الماضيين هو الانتقال نحو البيانات المفتوحة لصور الأقمار الصناعية الممولة من الحكومات. كما ذكرنا، أصبح أرشيف لاندسات الخاص بـ USGS مجانيًا عام 2008، مما أدى إلى “توسع سريع في تطبيقات العلم والعمليات” باستخدام لاندسات sciencedirect.com science.org. تحول الباحثون من طلب عشرات الصور فقط (بسبب التكلفة) إلى تحميل مئات أو آلاف الصور، ما مكّن دراسات مقارنة ضخمة. بالمثل، بيانات Sentinel التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية مجانية ومفتوحة، وقد تم تحميلها من قبل المستخدمين ملايين المرات، مما غذّى العديد من التطبيقات في الزراعة والاستجابة للكوارث وغيرها. تقوم NASA و NOAA بجعل جميع بيانات رصد الأرض تقريبًا متاحة مجانًا (أنظمة EarthData الخاصة بـ NASA و CLASS الخاصة بـ NOAA)، غالبًا دون الحاجة حتى لتسجيل دخول. المبدأ هو أن البيانات الممولة من دافعي الضرائب هي منفعة عامة. هذا النهج المفتوح قد ديمقراطية الوصول – بحيث يمكن لمختبر أبحاث صغير أو وزارة الزراعة في دولة نامية استخدام بيانات الأقمار الصناعية دون حواجز الميزانية.

في المقابل، فإن صور الأقمار الصناعية التجارية (خاصة البيانات عالية الدقة جدًا من شركات مثل Maxar، Airbus، إلخ) تُباع بموجب تراخيص. الحكومات هي زبائن كبار (مثل الجيوش أو مؤسسات رسم الخرائط التي تشتري الصور)، وكذلك الصناعات (التعدين، التمويل، التأمين) وشركات التكنولوجيا (لأغراض الخرائط). يمكن أن تكون التكاليف مرتفعة (من مئات إلى آلاف الدولارات للصورة الأعلى دقة). ومع ذلك، في بعض الأحيان تطلق الشركات التجارية بياناتها في حالات الأزمات الإنسانية أو تتيح بعض الأرشيف جزئيًا للعامة بعد فترة. يوجد أيضًا اتجاه لشركات “الفضاء الجديد” باعتماد نماذج هجينة – على سبيل المثال، لدى Planet برنامج بيانات مفتوحة للباحثين العلميين والمنظمات غير الربحية للوصول إلى الصور لأغراض غير تجارية، وأثناء الكوارث قد تطلق الصور على نطاق واسع.

المنصات وإمكانية الوصول: مع أحجام البيانات الهائلة، ظهرت منصات جديدة لاستضافة وتقديم الصور. Google Earth Engine هو مثال بارز – منصة سحابة تستضيف بيتابايتات من بيانات الأقمار الصناعية العامة (لاندسات، سينتينل، MODIS، إلخ) وتسمح للمستخدمين بتحليلها من خلال واجهة ويب. هذا يلغي الحاجة لتحميل تيرابايتات من البيانات محليًا؛ إذ يمكن إجراء التحليل بجوار البيانات مباشرة. لقد زاد هذا النوع من المنصات استخدام الصور بشكل كبير من خلال توفير كل من البيانات وقوة الحوسبة بسلاسة. وبالمثل، تستضيف خدمات Amazon Web Services (AWS) وغيرها أرشيفات الصور المفتوحة (مثل مجموعات لاندسات وسنتينل الكاملة بتنسيقات مناسبة للسحابة) ضمن برامج البيانات المفتوحة الخاصة بهم.

حجم البيانات والاتجاهات: حجم بيانات صور الأقمار الصناعية هائل ويتزايد بسرعة. اعتبارًا من 2021، تجاوز أرشيف Sentinel الأوروبي 10 بيتابايت، ويزداد بمعدل أكثر من 7 تيرابايت يوميًا ceda.ac.uk. قمر Sentinel-2 وحده ينتج حوالي 1.5 تيرابايت من البيانات يوميًا بعد الضغط eoportal.org. يلتقط كوكبة Planet Labs ملايين الصور يوميًا (مع دقة أقل). التحكم وتحليل هذا “البيانات الضخمة” يعد تحديًا – ولهذا أصبحت التخزين السحابي والمعالجة الموزعة والذكاء الاصطناعي ضرورية (يتم تناولها أكثر في القسم التالي). أدت فيض البيانات إلى ابتكارات مثل البيانات الجاهزة للتحليل (ARD) – صور مُعالجة مسبقًا بتنسيق وإسقاط مشترك بحيث يمكن تكديسها وتحليلها بسهولة، ومخططات التقسيم مثل كتالوج بيانات Google Earth Engine.

اتجاهات الاستخدام: مع تزايد إتاحة الصور، توسعت قاعدة مستخدمي صور الأقمار الصناعية بشكل كبير. لم يعد استخدامها مقتصرًا على خبراء الاستشعار عن بعد باستخدام برامج متخصصة. الآن يستخدمها علماء البيئة، مخططي المدن، الاقتصاديون، بل وحتى المواطنون العاديون عبر تطبيقات ومنصات مختلفة. على سبيل المثال، يستخدم المتطوعون الإنسانيون الصور المجانية في OpenStreetMap لرسم خرائط للمناطق المعرضة للكوارث. في الزراعة، يستخدم المهندسون الزراعيون توقعات الغلة المستندة إلى الأقمار الصناعية من خلال لوحات بيانات إلكترونية. في الصحافة، تنشر وسائل الإعلام صور الأقمار الصناعية لدعم القصص (مثل الأدلة على انتهاكات حقوق الإنسان أو أضرار البيئة). هذا الاعتماد الواسع يعود جزئيًا إلى توافر أدوات سهلة الاستخدام (بوابات خرائط الويب، واجهات برمجة التطبيقات البسيطة) ودمج صور الأقمار الصناعية في المنتجات اليومية (مثل تطبيقات الطقس التي تعرض حلقات الأقمار الصناعية، أو شركات التمويل التي تراقب عدد السيارات في مواقف المتاجر عبر الصور لتقدير المبيعات).

اتجاه آخر هو توفر الصور تقريبًا في الوقت الفعلي. بعض المزودين (لا سيما في الطقس) يوفرون الصور خلال دقائق من الحصول عليها. بينما لاندسات وسنتينل غالبًا ما توفر الصور خلال ساعات بعد استقبالها ومعالجتها من القمر الصناعي. هذا يعني أن المستخدمين يمكنهم الاستجابة أسرع – على سبيل المثال، رصد تسرب نفطي جديد على صور القمر الصناعي في نفس اليوم وإبلاغ السلطات.

وأخيرًا، مع توسع أرشيفات الصور، يزداد الاهتمام بـالتنقيب الزمني في البيانات – أي النظر ليس فقط إلى صورة واحدة، بل تتبع الاتجاهات والتغيرات عبر عشرات الصور خلال الزمن (تحليل السلاسل الزمنية). يُستخدم هذا في أشياء مثل نماذج توسع المدن، معدلات إزالة الغابات، آثار الجفاف على مدى سنوات، إلخ. لقد مكّن الأرشيف الحر وأدوات البيانات الضخمة هذا التحليل طويل الأمد. مثال بارز: باحثون يستخدمون أكثر من 30 سنة من بيانات لاندسات لرسم خريطة تغيرات المياه السطحية عالميًا أو توسع المدن، وهو ما كان مستحيلًا تقريبًا قبل البيانات المفتوحة.

باختصار، أصبحت صور الأقمار الصناعية أكثر وصولاً من أي وقت مضى. لقد أطلقت حركة البيانات المفتوحة انفجارًا في الاستخدامات في العلم وخارجه earthobservatory.nasa.gov earthobservatory.nasa.gov. وبالاقتران مع التقدم في الحوسبة، تغير ما يمكن فعله: عوضًا عن النظر إلى بضع صور، يمكننا الآن تحليل “مشكلات ضخمة فعلا” مثل التغير العالمي عبر التنقيب في أرشيفات بحجم بيتابايت earthobservatory.nasa.gov. التحدي الآن لم يعد في الحصول على البيانات، بل بكيفية استخراج الرؤى منها بشكل فعال.

تحديات صور الأقمار الصناعية

على الرغم من قيمتها الكبيرة، فإن العمل مع صور الأقمار الصناعية يأتي مع عدة تحديات وقيود يجب على المستخدمين والمزودين التعامل معها:

  • حجم البيانات والإدارة: كما ذكر، تولد بعثات الأقمار الصناعية كميات ضخمة من البيانات. يعد تخزين هذه البيانات وفهرستها ونقلها تحديًا كبيرًا. على سبيل المثال، تضيف أقمار Copernicus Sentinel ما بين 7–10 تيرابايت يوميًا إلى الأرشيفات ceda.ac.uk، ويبلغ إجمالي أرشيف لاندسات الآن بيتابايتات على مدى 50 عامًا. يتطلب التعامل مع ذلك بنية تحتية قوية: تخزين متعدد المستويات (سريع للبيانات الحديثة، وأرشفة على أشرطة مغناطيسية للبيانات القديمة)، وشبكات عالية السرعة لتوزيع البيانات، وتنسيقات بيانات فعالة. يواجه المستخدمون تحديات في تحميل مجموعات البيانات الكبيرة – ولذلك بدأ التحول للتحليل المعتمد على السحابة. كما أن إدارة مثل هذه الأحجام الكبيرة تعني تكاليف مرتفعة وحاجة إلى تنسيق دولي لتجنب التكرار (حيث تقوم العديد من الوكالات بمرايا بيانات بعضها لتوزيع الحمل). يؤدي فيضان البيانات هذا إلى خطر أن يغرق المحللون في البيانات – ولهذا تتزايد الحاجة إلى التصفية الآلية (للعثور على الصور المطلوبة، مثلاً البكسلات الخالية من السحب) وتقنيات البيانات الضخمة.
  • المعالجة والخبرة: بيانات الأقمار الصناعية الخام غير صالحة للاستخدام مباشرة – فهي تتطلب خطوات معالجة قد تكون معقدة. يشمل ذلك التصحيح الهندسي (تعديل التشوهات الناتجة عن التضاريس وزاوية المستشعر)، والمعايرة الإشعاعية (تحويل القيم إلى انعكاسات أو درجات حرارة إشعاعية)، وتصحيح الغلاف الجوي (إزالة تأثيرات الضباب والرطوبة) اللازمة للتحليل الكمي. رغم أن العديد من المنتجات تُعالج مُسبقًا لمستويات أعلى، إلا أن المستخدمين الذين يحتاجون نتائج دقيقة يجب أن يفهموا هذه العمليات. وهذا يتطلب خبرة في الاستشعار عن بعد. بالإضافة إلى ذلك، يتطلب العمل مع بيانات متعددة أو شديدة الأطياف التعامل مع ملفات كبيرة متعددة النطاقات ومعرفة كيفية تفسيرها. هناك منحنى تعلم للمستخدمين الجدد لاستخدام الصور بشكل صحيح (مثلاً، معرفة أي تركيب نطاقات يُستخدم للمهمة المطلوبة، أو كيفية تفسير صور الرادار)؛ وعلى مستوى التطبيق، يتطلب استخراج المعلومات (مثل تصنيف غطاء الأرض أو اكتشاف الأجسام) مزيدًا من المعالجة، غالبًا باستخدام خوارزميات معقدة أو نماذج تعلم آلي. الحاجة إلى برمجيات متخصصة (GIS وبرامج الاستشعار عن بعد) ومعرفة تقنية شكلت عائقًا، رغم أنه يتضاءل مع الأدوات الحديثة سهلة الاستخدام.
  • الدقة والمعايرة: يمكن أن تختلف جودة ودقة الصور الفضائية. دقة تحديد الموقع الجغرافي (معرفة الإحداثيات الدقيقة لكل بكسل) ليست مثالية – فقد تخطئ الأقمار عالية الجودة ببضعة أمتار، في حين يمكن أن يكون الخطأ أكبر في المنتجات الأقدم أو بعض الحالات. غالبًا ما يلي ذلك ضرورة مواءمة الصور من مصادر مختلفة (لإجراء مقارنة زمنية)، وهي عملية دقيقة إذا كانت هناك اختلافات طفيفة. أما دقة البيانات الإشعاعية والمعايرة بين المستشعرات فهي تحدي آخر: مثلاً، التأكد من أن قيمة الانعكاسية من Sentinel-2 تعني نفس قيمة لاندسات-8. الاختلافات في معايرة المستشعر أو أطوال الموجات تُلزم الحذر في التحليل متعدد المصادر. هناك جهود جارية لتنسيق البيانات من أقمار مختلفة (مثلاً، تعدل بعض المشاريع بيانات Sentinel-2 لتتوافق مع سجل لاندسات الزمني لضمان الاستمرارية). بالإضافة إلى ذلك، فإن تداخل الغلاف الجوي (غيوم، ضباب) واختلافات زاوية الرصد قد تؤثر على الدقة. السحب هي المشكلة الأكبر في التصوير البصري – حتى الغطاء الجزئي يمكن أن يحجب المعالم أو يقلل من جودة التحليل، وظلال السحب يمكن أن تربك النتائج. غالبًا ما يستخدم المستخدمون خوارزميات كشف السحب لإزالة البكسلات المغطاة بالسحب أو ينتقلون للرادار أو طريقة أخرى في المناطق كثيرة السحب. كما أن الظلال، وتأثير التضاريس (مثل سفوح الجبال المظللة)، والاختلافات الموسمية (التغيرات النباتية) قد تدخل “ضوضاء” في التحليل – الأمر الذي يتطلب المعايرة الدقيقة أو المقارنات متعددة التواريخ.
  • الخصوصية والمخاوف الأمنية: مع تزايد دقة وانتشار صور الأقمار الصناعية، أُثيرت قضايا الخصوصية. رغم أن الدقة عادة لا تكفي لتحديد الأفراد (كالوجوه أو أرقام السيارات)، إلا أنها تكشف الكثير عن الممتلكات والأنشطة الخاصة. هناك من يعترضون على خدمات مثل Google Earth التي تُظهر منازلهم أو مسابحهم من الأعلى. “أُثيرت مخاوف تتعلق بالخصوصية من قِبَل بعض الأفراد الذين لا يرغبون في عرض ممتلكاتهم من الأعلى” en.wikipedia.org. لكن المزودين وشركات الخرائط يوضحون أن الصور الفضائية تُظهر فقط ما هو مرئي من السماء، مماثل لجولة بطائرة، وعادة ليست في الوقت الحقيقي – فقد تكون الصور قديمة بعدة أسابيع أو أشهر en.wikipedia.org. في معظم التشريعات، لا يوجد توقع قانوني للخصوصية للأشياء المرئية من المجال الجوي العام. ومع ذلك، هناك حالات خاصة: فمثلاً، كان لدى الولايات المتحدة قانون (تم تخفيفه لاحقًا) يمنع نشر الصور عالية الدقة جدًا لإسرائيل لأسباب أمنية، وتفرض الهند حدًا قدره متر واحد لدقة الصور المتاحة للعامة داخل حدودها. هناك أيضًا قضايا المنشآت الحساسة – حيث يمكن للأقمار تصوير قواعد عسكرية أو بنية تحتية حرجة، ما قد يثير تساؤلات أمنية. لكن مع توافر الصور عالميًا، تكيفت معظم الحكومات مع هذا “العالم الشفاف”. تتضمن حلول الخصوصية أحيانًا طمس منشآت معينة في خدمات الخرائط العامة (يتم ذلك بشكل غير منتظم) أو مستقبلاً تصفية فورية على متن القمر الصناعي (الأمر غير شائع حاليًا).
  • التحديات التنظيمية والتراخيص: تخضع الصور التجارية للترخيص. يجب على المستخدمين معرفة القيود – فقد تُستخدم الصور لأغراض داخلية فقط ولا يسمح بنشرها إلا بشراء حقوق إضافية. تدور نقاشات حول وجوب إتاحة الصور التي اشترتها الحكومات للعلن أم لا. في الولايات المتحدة، تُنظم الصور التجارية من الاستشعار عن بعد من قبل NOAA ، التي فرضت تاريخيًا حدود دقة (مثل 50 سم) ورفعت تدريجيًا (حالياً حتى 30 سم للبصرية، وقواعد لأنواع الرؤية الليلية أو الأشعة تحت الحمراء). بالمثل، يمكن أن تكون الصور الرادارية عالية الدقة أو بعض التقنيات (مثل الcoherence للكشف عن الحركة) حساسة. تحاول الإطار التنظيمي تحقيق التوازن بين الابتكار التجاري والأمن الوطني. بالنسبة للتقنيات الناشئة مثل أقمار الفيديو ذات التكرار العالي، من المرجح أن يضع المنظمون قواعد جديدة (مثل تقييد البث الحي أو التصوير بمعدلات إطارات عالية جدًا لمنع الاستخدامات التجسسية من قبل جهات غير مصرح لها).
  • التكلفة والعدالة: رغم وجود برامج مجانية، تظل الصور الأعلى دقة مكلفة، ما يشكل حاجزًا أمام الجهات التي لا تستطيع تحمل التكاليف. يؤدي ذلك إلى احتمال ظهور تفاوت في الوصول إلى المعلومات. يمكن لمؤسسة ذات تمويل جيد أن تطلب صورًا بدقة 30 سم يوميًا لمنطقة ما، بينما تضطر منظمة صغيرة للاعتماد على صور مجانية بدقة 10 أمتار أو لقطات أقل تكرارًا. بعض المبادرات (مثل مؤسسة Digital Globe أو برامج Earth Observation for Sustainable Development) تهدف إلى تزويد الدول النامية أو الباحثين بالصور بأسعار مخفضة، لكن الفجوة لا تزال قائمة. هناك نقاش مستمر حول أن فوائد صور الأقمار الصناعية يجب أن تكون متاحة للصالح العام العالمي (الإغاثة من الكوارث، العمل المناخي)، وحيثما أمكن، تتعاون الشركات والحكومات لتحقيق ذلك.
  • التفسير والاستنتاجات الخاطئة: تبدو صور الأقمار الصناعية بسيطة ظاهرًا، لكن تفسيرها الصحيح قد يكون معقدًا. إذا أُسيء تفسيرها، يمكن أن تقود إلى استنتاجات خاطئة. مثلاً، قد يخطئ شخص في اعتبار الظلال مياه أو في تفسير النقص الموسمي للنباتات على أنه إزالة للغابات. بدون سياق مناسب أو بيانات أرضية حقيقية، هناك خطر التحليل الخاطئ. في مجال الاستخبارات، هناك حكايات عن محللين أساؤوا تحديد منشآت غير ضارة على أنها خطرة (أو العكس). لتقليل ذلك، يتم الجمع بين الصور ومصادر أخرى (مسوحات أرضية، بيانات استشعار إضافية، معرفة محلية). وهناك أيضًا تحدي فيضان المعلومات – فقد يفوّت المحللون أشياء هامة وسط بحر من الصور. بدأت الأتمتة (الذكاء الاصطناعي) تساعد في هذا (مثل التمييز التلقائي “للتغيرات” أو الشذوذات)، لكن الذكاء الاصطناعي نفسه قد ينتج أخطاء أو تحذيرات زائفة تتطلب تحققًا بشريًا.

ورغم هذه التحديات، فإن المجال يتطور باستمرار لمواجهتها: ضغوط أفضل للبيانات وتسليم سحابي لمشكلة الحجم، وخوارزميات ومعايرة متطورة للدقة، وسياسات استخدام واضحة وطمر انتقائي للخصوصية، وبرامج تدريب لنشر المعرفة على نطاق واسع. فوائد صور الأقمار الصناعية تفوق الصعوبات عمومًا، لكن يجب على المستخدمين أن يكونوا على دراية بهذه القيود لاستخدام البيانات بشكل مسؤول وفعّال.

الاتجاهات الناشئة والتوجهات المستقبلية

مجال التصوير بالأقمار الصناعية يتطور بسرعة. هناك العديد من الاتجاهات الناشئة التي تشكّل مستقبل كيفية جمع الصور وتحليلها واستخدامها:

الذكاء الاصطناعي والتحليل المؤتمت

مع تدفق البيانات الهائل، أصبح الذكاء الاصطناعي (AI) – خاصة التعلم الآلي والتعلم العميق – عنصراً أساسياً لاستخلاص المعلومات من صور الأقمار الصناعية. يمكن تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي على التعرف على الأنماط أو الأجسام في الصور بسرعة أكبر بكثير (وأحياناً بدقة أعلى) من البشر. فعلى سبيل المثال، أصبح التعلم الآلي البسيط نسبياً قادراً بالفعل على اكتشاف ميزات مثل السيارات في مواقف السيارات أو السفن في الموانئ من الصور عالية الدقة defenseone.com. والحدود الجديدة الآن هي استخدام الذكاء الاصطناعي المتقدم (بما في ذلك الشبكات العصبية العميقة وحتى نماذج اللغة الكبيرة المماثلة للصور) لاستخلاص رؤى من مستوى أعلى:

  • اكتشاف الأشياء واستخراج الميزات: تُستخدم نماذج الرؤية في الذكاء الاصطناعي تلقائياً لتحديد وعدّ كل شيء من المباني والطرق (للخرائط)، إلى الأشجار (للغابات)، إلى أنواع المحاصيل المحددة (للزراعة)، إلى المركبات والطائرات (للاستخبارات). يُمكن لهذا الأتمتة معالجة الصور على نطاق واسع، وتحديد التغيرات أو إنشاء قواعد بيانات للميزات. مثال على ذلك عدّ جميع أحواض السباحة في مدينة من الصور تحت مترية الدقة، أو الكشف عن مواقع التعدين غير القانوني في الغابات المطيرة – وهي مهام ستكون مملة للغاية لو أُنجزت يدوياً.
  • اكتشاف التغييرات والتنبيه: يُبلي الذكاء الاصطناعي بلاءً حسناً في مقارنة الصور مع مرور الوقت لاكتشاف ما تغيّر. وهذا أمر بالغ الأهمية مع توافر صور يومية في بعض الحالات. يمكن للخوارزميات فحص صور Planet اليومية لمنطقة نزاع، على سبيل المثال، وتنبيه المحللين عند اكتشاف أضرار جديدة في المباني أو عندما تظهر مجموعة من المركبات في مكان لم يكن فيه شيء في اليوم السابق. وهذا يميل بشكل متزايد نحو المراقبة في الوقت الحقيقي. تستثمر شركات الأقمار الصناعية في الذكاء الاصطناعي لتقديم التحليلات كخدمة: فبدلاً من بيع الصور الخام فقط، يقدمون اشتراكات في التنبيهات (مثلاً، نبّهني إذا تم الكشف عن إنشاء جديد في الموقع X). أشار الرئيس التنفيذي لشركة Planet إلى أنه في حين أن التحليل الحالي غالباً ما يكون رجعياً ويعتمد على البشر، فإن أدوات الذكاء الاصطناعي الجديدة تعد بتحليل أسرع، بل وتنبؤي – من خلال الاستفادة من كثافة الصور للتنبؤ بالأحداث (مثل مؤشرات الجفاف التي قد تؤدي إلى اضطرابات) defenseone.com defenseone.com.
  • التحليلات التنبؤية والنمذجة: ما بعد اكتشاف ما حدث، يتم استكشاف الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بما سيحدث. مع سلاسل زمنية من الصور كمدخلات، يمكن للنماذج توقّع أنماط النمو العمراني، أو نتائج إنتاجية المحاصيل أو تأثيرات الجفاف. وكما ورد في مقابلة DefenseOne، قد يؤدي الجمع بين بيانات الأقمار الصناعية ونماذج الذكاء الاصطناعي إلى توقع سيناريوهات مثل “من المرجح أن يحدث جفاف هنا قد يؤدي إلى اضطرابات مدنية” defenseone.com. هذا مفهوم ناشئ جداً، لكنه قدرة مرغوبة للاستجابة الاستباقية.
  • واجهات اللغة الطبيعية: هناك اتجاه جديد يتمثل في استخدام الذكاء الاصطناعي لجعل استفسار صور الأقمار الصناعية أكثر سهولة. فبدلاً من الحاجة إلى خبير نظم معلومات جغرافية لكتابة الشيفرة، يمكن لأي شخص أن يسأل النظام بلغة بسيطة: “اعثر على جميع الصور التي يظهر فيها هذا البحيرة عند أقل مستوى لها في آخر 5 سنوات” وسيتكفل الذكاء الاصطناعي بالأمر. يتم ضبط بعض نماذج اللغة الكبيرة لهذه المهام الجيوفضائية.
  • تحديات الذكاء الاصطناعي: بيانات التدريب أساسية – ومن حسن الحظ توافرت لعقود صور أقمار صناعية معنونة (مثلاً من جهود رسم الخرائط) لتدريب النماذج. لكن يجب أيضاً أن يتعامل الذكاء الاصطناعي مع بيانات متعددة الأطياف ورادارية، وهي أكثر تعقيداً من الصور الفوتوغرافية العادية. كما أن “طبيعة الصندوق الأسود” للذكاء الاصطناعي تمثل مشكلة – إذ يحتاج المحللون للثقة مع التحقق من مخرجات الذكاء الاصطناعي خصوصاً في الاستخدامات الحساسة مثل الاستخبارات العسكرية. وهناك أيضاً تحدي القدرة الحاسوبية؛ لكن منصات السحاب المزودة بوحدات معالجة رسومية GPU تباشر معالجة هذا الأمر.

نحن نشهد بالفعل نتائج ملموسة: ففي إحدى الحالات، ساعد نموذج ذكاء اصطناعي في تحديد مواقع انبعاث الميثان الخارق غير المبلّغ عنها سابقاً من بيانات الأقمار الصناعية، وفي حالة أخرى يُستخدم الذكاء الاصطناعي لرسم خرائط لجميع المباني في أفريقيا لدعم تخطيط البنية التحتية. وقد قالت وكالة الاستخبارات الجغرافية الوطنية (NGA) إن هذه القدرات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي هي “بلا شك مستقبل” التحليل، متخيلةً دورة يعمل فيها المستشعرون على اكتشاف التغييرات ويقوم الذكاء الاصطناعي بدمج الصور مع بيانات أخرى (كمثل الأخبار أو وسائل التواصل الاجتماعي) لإنتاج معلومة يمكن اتخاذ قرار بناءً عليها، مما يحفّز جمع المزيد من البيانات في حلقة تغذية راجعة defenseone.com defenseone.com. هذا النوع من التكامل يلمّح إلى نظام مراقبة ذكي بالأقمار الصناعية.

التصوير الفوري وزيادة وتيرة إعادة التصوير

نحن نتجه نحو عصر رصد الأرض شبه الفوري. فرغم أن فيديو مباشر لكل الأرض غير متوفر حتى الآن، فإن فترات إعادة التصوير تقصر وبعض الشركات تجرب التصوير شبه الفوري:

  • الكوكبات الضخمة: كان التصوير الشامل اليومي لشركة Planet مغيّر قواعد اللعبة. والآن يهدف آخرون للذهاب أسرع من ذلك. تسوّق شركات مثل BlackSky وCapella نفسها على أنها تقدم تصويراً متكرراً من الفجر حتى الغسق للأماكن الأساسية. على سبيل المثال، تمتلك BlackSky كوكبة صغيرة يمكنها تصوير مواقع معينة حتى 15 مرة في اليوم، وتروّج للمراقبة الفورية للنشاط الاقتصادي أو النزاعات. هذه الوتيرة العالية تعني أنه يمكن تقريباً مشاهدة التطوّرات تتكشف (مثل تتبع تراكم خيم الإغاثة ساعة بساعة في منطقة ما). الرؤية النهائية هي وجود “عرض مباشر” لأي نقطة حيوية على الأرض مع زمن انتظار منخفض جداً – ربما دقائق بين التحديثات.
  • التصوير عالي الدقة من المدار الأرضي الثابت: تقليدياً، كانت الأقمار الاصطناعية في المدار الأرضي الثابت (GEO) تملك دقة منخفضة (بمقياس الكيلومتر) لمجرد تتبع الطقس. لكن قد تسمح التكنولوجيا بتزويد GEO بمستشعرات أعلى دقة. هناك اقتراحات لمنصات GEO يمكن أن تقدم فيديو أو لقطات سريعة للكوارث أثناء حدوثها (تخيّل قمراً ثابتاً يقوم بأخذ صور بفاصل 10 ثوانٍ لحريق غابة أو مدينة). التحدي هنا فيزيائي (GEO بعيد جداً، لذا يجب أن تكون البصريات عالية الدقة ضخمة). ومع ذلك، حتى التحسينات التدريجية قد توفر مثلاً دقة 50–100 متر صوراً فورية على مستوى القارات، وهو أمر مفيد للأحداث واسعة النطاق.
  • الفيديو من المدار المنخفض: بعض الأقمار (مثل SkySat وشركة EarthNow الناشئة) بإمكانها التقاط مقاطع فيديو قصيرة – مثلاً فيديو لمدة 90 ثانية يُظهر الحركة (سيارات تسير، أو طائرات تتجول). الفيديو المستمر أصعب بسبب قيود المدار (القمر الصناعي يمر سريعاً فوق الموقع)، ولكن مع نمو الأسطول، يمكن تخيّل تناوب المرور لتحقيق تغطية شبه مستمرة. ربما هناك بالفعل أقمار عسكرية تفعل هذا لتعقب الأهداف المتحركة. تركيز آخر هو التسليم في الوقت الفعلي: نقل الصورة من القمر إلى المستخدمين بسرعة أكبر. مع زيادة المحطات الأرضية وروابط التحميل المباشر، تم تقليل هذا التأخير من ساعات إلى أقل من ساعة غالباً، وفي حالات خاصة لدقائق فقط.
  • المعالجة على متن القمر والأقمار الذكية: بالارتباط مع الذكاء الاصطناعي، هناك دفع لجعل الأقمار الصناعية “أذكى” بنفسها. فبدلاً من إرسال صور كاملة للأرض، مما يكلف عرض النطاق وزمن التحميل، يمكن للأقمار معالجة الصور أثناء الرحلة وإرسال التنبيهات أو المعلومات المضغوطة ذات الصلة فقط. على سبيل المثال، يمكن لقمر صناعي استخدام الذكاء الاصطناعي لاكتشاف عمود إطلاق صاروخ أو مبنى يحترق فوراً وإرسال إخطار (ربما عبر أقمار الترحيل) إلى المحللين، بدلاً من الانتظار لتنزيل الصورة كاملةً لاحقاً. أشارت BlackSky إلى دمج هذه التحليلات أثناء الرحلة بحيث “يكون الذكاء الاصطناعي في العملية قبل توزيع الصورة على العملاء” defenseone.com. كأنك تضع “عين” و”دماغ” أساسيين على القمر: يراقب محفزات خاصة ويرسل معلومات مفيدة فقط، مما يمكّن من رد فعل أسرع بشكل كبير (ويقلل الحمل البياني على الأرض).

إذا استمرت هذه الاتجاهات، فإن سرعة صور الأقمار الصناعية ستقترب من مقاطع الفيديو الحية للطائرات المسيّرة، ولكن على نطاق عالمي. لهذا آثار ضخمة: يمكن لفرق الاستجابة للكوارث مشاهدة تقدّم مياه الفيضانات في الوقت الحقيقي لتوجيه الإخلاء، ويمكن للجيوش مراقبة ساحات المعارك بصفة مستمرة من الفضاء، ويمكن للمراقبين البيئيين ضبط الأنشطة غير القانونية (مثل تفريغ التلوث بالسفن) أثناء وقوعها. كما يثير ذلك تساؤلات سياسية، إذ تقترب المراقبة الفورية للسكان من منطقة المراقبة والملاحقة. لكن من الناحية التقنية، نحن على طريق عالم يصبح فيه “الجدار بين صور الحاضر والماضي يختفي تدريجيا”.

التصغير والتقنيات الجديدة للأقمار الصناعية

صعود الأقمار الصناعية الصغيرة اتجاه واضح – الأقمار تصغر حجماً، وتقل تكلفة، وتزداد عدداً:

  • كيوب ساتس والأقمار النانوية: الأقمار الصناعية الصغيرة القياسية، وبعضها بحجم 10 سم فقط (1U CubeSat)، خفضت حواجز الدخول. الجامعات، الشركات الناشئة، بل حتى المدارس الثانوية يمكنها بناء كيوب سات للتصوير. صحيح أن كيوب سات واحد مع تلسكوب صغير لا يضاهي جودة WorldView-3، لكنه قد يحقق دقة 3–5 متر – كافية للعديد من الأغراض – وبتكلفة منخفضة للغاية. كوكبات من كيوب ساتس (مثل أسطول Planet’s Doves) يمكن أن تتفوق على قمر صناعي كبير في تكرار التغطية وسعتها، حتى لو لم تقدم نفس دقة الصورة. رأينا العديد من مهام كيوب سات للتصوير: من أسطول Planet إلى التجريبيين المزودين بمستشعرات متعددة الأطياف أو كاميرات فيديو. ثلثا الأقمار الصناعية النشطة الآن أقمار صغيرة حسب بعض الإحصائيات nanoavionics.com، ما يعكس هذا التحول. إن هذه الديمقراطية تعني أن المزيد من الدول بل وحتى الشركات تستطيع أن تملك “عينها في السماء”. لم يعد الأمر مقتصرًا على القوى العظمى فحسب؛ يمكن حتى لوكالة بحثية لدولة صغيرة أو شركة خاصة إطلاق كوكبة تصويرية عبر رحلات مشاركة على الصواريخ.
  • المستشعرات المتقدمة على المنصات الصغيرة: تتحسن التكنولوجيا بحيث يمكن حتى للأقمار الصغيرة حمل مستشعرات متطورة: مثل الرادارات ذات الفتحة الاصطناعية الصغيرة (أقمار Capella حوالي 100 كجم وتوفر صور رادارية أقل من 0.5 متر)، الكاميرات متعددة الأطياف الصغيرة (مثل CubeSats 16U بدقة 30 متر)، أو حتى مستشعرات الأشعة تحت الحمراء للتصوير الليلي. كلما تصغُر المكونات وتزداد قوة شرائح الحوسبة (للمعالجة على متن القمر)، تزداد القدرة الإنتاجية لكل كيلوجرام من القمر الصناعي. قد يؤدي ذلك إلى هندسات الأسراب حيث تعمل العديد من الأقمار الرخيصة معًا (كما يفعل النمل معاً لإنجاز مهام معقدة نسبياً).
  • الأقمار الصناعية الزائفة على ارتفاع عال (HAPS): بالرغم من أنها ليست أقمار صناعية، هناك نمو في استخدام الطائرات بدون طيار أو البالونات في الستراتوسفير وتعمل كأقمار مؤقتة. يمكنها التحليق فوق منطقة لأيّام مع كاميرات عالية الدقة، مكملةً بيانات الأقمار بمزيد من التغطية المحلية المستمرة. من المرجح أن يصبح دمج بيانات HAPS، والمنصات الجوية، والأقمار سلساً في المستقبل.
  • الاتصالات الكمومية والبصرية: قد تستخدم أقمار المستقبل الاتصالات الليزرية لإرسال البيانات للأرض أو بين الأقمار، مما يزيد السعة (بحيث يُمكنها إرسال البيانات بسرعة أكبر أو بث الفيديو الخام). هذا مجال نشط في التطوير (مثلاً النظام الأوروبي للنقل البيني بين البيانات يستخدم الليزر لنقل بيانات Sentinel بسرعة أكبر). السعة الأعلى ستدعم تلك الاستخدامات الفورية والفيديو.
  • إدارة كوكبات الأقمار الصناعية: مع وجود هذا العدد الكبير، تصبح إدارة المدارات ومنع التصادمات (إدارة حركة المرور الفضائية) أمراً مهماً. كما أن تنسيق الكوكبات لأجل التصوير التعاوني – كأن يقوم قمران بالتقاط صور ثنائية لتوليد بيانات ثلاثية الأبعاد، أو أقمار رادارية تطير معاً لتحقيق التداخل الراداري. قامت بذلك مهمة Tandem-X الأوروبية (قمران راداريان يطيران معاً لإنتاج خريطة عالمية ثلاثية الأبعاد). قد نرى المزيد من هذه التكوينات المزدوجة أو الشبكية.

في الجوهر، فإن التصغير + الإنتاج الكمي للأقمار الصناعية يشبه ما حدث مع الحواسيب (من الحاسبات العملاقة إلى الحواسيب الشخصية إلى الهواتف الذكية). يعني ذلك أن التصوير سيصبح أكثر انتشاراً. لكن الأقمار الصغيرة أعمارها أقصر أيضاً (غالباً ~3-5 سنوات)، لذا تتطلب الكوكبات تجديداً مستمراً (إطلاق دفعات جديدة بانتظام). وهذا أصبح متاحاً مع خدمات الإطلاق الأرخص (بل وحتى صواريخ مخصصة للأحمال الصغيرة مثل Electron من Rocket Lab أو رحلات SpaceX المشتركة). قد يؤدي تسارع وتيرة الاستبدال إلى تسريع الابتكار أيضاً – إذ يمكن إدخال التقنيات الحديثة في الفضاء بشكل أسرع من انتظار خمسة عشر عاماً للجيل التالي من الأقمار الكبرى.

التحليلات المعتمدة على الفضاء والمنصات المتكاملة

بعيداً عن المعدات، تُعتبر تحليلات وصياغة الرؤى المُستَخرجة من صور الأقمار الصناعية جبهة رئيسية في هذا المجال. فبدلاً من بيع الصور فقط، تتجه الشركات “لرفع القيمة المضافة” من خلال تقديم التحليل والإجابات:

  • منظومة “المستشعر إلى القرار”: هناك رؤية لنظام متكامل يقوم فيه القمر الصناعي بجمع البيانات، وتقوم الذكاء الاصطناعي بتحليلها، ويحصل المستخدم النهائي على معلومات قابلة للتنفيذ أو تصورات بصرية دون وسيط بشري كبير. على سبيل المثال، المزارع لا يريد صورة قمر صناعي بالضرورة، بل يريد معرفة الجزء من حقله الذي يحتاج إلى تسميد. شركات التحليلات الفضائية تهدف إلى تقديم مثل هذه الإجابات بشكل مباشر، غالبًا عبر منصات سحابية أو واجهات برمجة التطبيقات (APIs). مثال آخر: شركة استثمارية قد لا ترغب في فحص صور الموانئ يدويًا؛ بل تفضل الاشتراك في خدمة تقدم مؤشرًا أسبوعيًا بمستوى امتلاء الموانئ الكبرى (يتم استنتاجه من عد الحاويات في الصور). هذا يحدث بالفعل – شركات مثل Orbital Insight وDescartes Labs تقوم بمعالجة الصور (من مصادر متنوعة) لإنتاج مؤشرات اقتصادية (مثل إشغال مواقف السيارات كمؤشر لأداء البيع بالتجزئة أو تقديرات إنتاج المحاصيل).
  • منصات البيانات الضخمة الجغرافية: أشرنا سابقًا إلى منصة Google Earth Engine؛ بالمثل، توفر منصة Microsoft’s Planetary Computer، وسجل بيانات Amazon المفتوح، وغيرهم، تكاملًا بين بيانات جغرافية متعددة المصادر وأدوات تحليلية قابلة للتوسيع. تزداد هذه المنصات في دمج النماذج التحليلية وليست الصور فقط. يمكن تنفيذ خوارزمية تصنيف غطاء الأرض على مستوى أفريقيا بأكملها خلال ساعات عبر تلك المنصات – وهو أمر لم يكن ممكنًا قبل عقد من الزمن. المستقبل يتجه نحو لوحات معلومات أرضية في شبه الوقت الحقيقي، تمكنك من استعلام حالة الكوكب (فقدان الغابات، جودة الهواء، رطوبة التربة، إلخ) تقريبًا بشكل مباشر، مدعومة بتدفقات صور الأقمار الصناعية المستمرة وخوارزميات التحليل.
  • دمج البيانات مع مصادر أخرى: يتم دمج صور الأقمار الصناعية مع “مستشعرات” أخرى – وسائل التواصل الاجتماعي، أجهزة الاستشعار الأرضية، بيانات المصادر الجماعية – لإثراء التحليل. على سبيل المثال، أثناء حدوث كارثة، قد يتم دمج خرائط مناطق الفيضان بالقمر الصناعي مع بيانات تويتر عن أماكن احتياج الناس للمساعدة. في الزراعة، يمكن دمج بيانات صحة المحاصيل من القمر الصناعي مع بيانات محطات الطقس المحلية لتحسين تقدير المحاصيل. هذا الدمج البياني مجال آخر لعمل الذكاء الاصطناعي، حيث يتم الربط بين مصادر البيانات المختلفة للحصول على رؤى أعمق defenseone.com.
  • الحوسبة الطرفية على المدار: كما ذكرنا سابقًا، أصبح تحليل البيانات على متن القمر الصناعي (Edge Computing) اتجاهًا ناشئًا. إذا تمكنت الأقمار الصناعية من تحديد الجزء القيم من البيانات، يمكنها إرسال المعلومات المصفاة أو حتى تحفيز أقمار صناعية أخرى. مثلاً، إذا اكتشف قمر صناعي يعمل بالأشعة تحت الحمراء ظاهرة حرارية تشير إلى حريق، يمكنه أن يوجه تلقائيًا قمرًا صناعيًا ضوئيًا آخر لالتقاط صورة عالية الدقة لتلك المنطقة. هذا النوع من المهام المتقاطعة الذاتية هو أحد أوجه تحليلات الفضاء حيث تتعاون شبكة الأقمار الصناعية لالتقاط الأحداث بأمثل طريقة. قامت ناسا بتجارب في هذا المجال عبر Sensorweb وغيرها، لكن من المتوقع ظهور أنظمة تشغيلية أوسع مستقبلاً.
  • إتاحة المعلومات للمستخدمين والديمقراطية الرقمية: الهدف النهائي هو جعل المعلومات المستمدة من صور الأقمار الصناعية متاحة مثل نشرات الطقس. ربما سنشهد تطبيقات موجهة للمستهلك تعتمد بيانات الأقمار الصناعية في البنية التحتية لها (توجد بالفعل بعض التطبيقات مثل تطبيقات التحذير من أمراض المحاصيل باستخدام بيانات Sentinel-2). مع اختزال التحليلات الصور المعقدة لمقاييس أو تنبيهات بسيطة، ينخفض حاجز استخدام رؤى الأقمار الصناعية. مع ذلك، لا بد من ضمان دقة وحيادية هذه التحليلات – وبالتالي الحاجة إلى الشفافية حتى في المنتجات المدعومة بالذكاء الاصطناعي.

دقة أعلى وأنماط استشعار جديدة

من الجدير بالذكر أن تطور المستشعرات مستمر: قد نشهد صور القمر الصناعي بدقة أعلى متاحة تجاريًا قريبًا (من الممكن أن تسمح الولايات المتحدة ببيع صور أقل من 30 سم في المستقبل، ودول أخرى تطور أنظمة بدقة 20 سم تقريبًا). أنماط طيفية جديدة مثل ليدار من الفضاء قد تُضيف خرائط ثلاثية الأبعاد للنباتات والهياكل عالميًا (ليدار GEDI التابع لناسا على محطة الفضاء الدولية مثال على ذلك؛ وهناك اقتراحات لأقمار صناعية خاصة بالليدار لرسم الخرائط). الأقمار الصناعية للتصوير بالأشعة تحت الحمراء الحرارية (مثل ECOSTRESS التابع لناسا أو Landsat Next القادم الذي سيضيف المزيد من القنوات الحرارية) ستوفر بيانات حرارة أفضل – مهمة لإدارة المياه، رصد حرارة المدن، وغير ذلك. كما أن تصوير أضواء الليل (مثل أداة VIIRS) قد يتحسن بفضل مستشعرات ليلية أكثر دقة، بحيث تكشف أنماط النشاط البشري بتفصيل أدق (مثلاً، مراقبة توافر الكهرباء أو آثار النزاعات من خلال الأضواء).

أيضًا، قد تصبح المستشعرات الكمية أو التصوير فائق الطيف بدقة عالية ممكنة في المستقبل، مما يزيد من غنى البيانات المتاحة.

في الختام، يتجه مستقبل صور الأقمار الصناعية نحو المزيد: المزيد من الأقمار، المزيد من البيانات، المزيد من التكرار، مزيد من التفاصيل، مزيد من الأتمتة. ستظهر لنا صورة “توءم رقمي حي” للأرض، يتم تحديثها باستمرار من خلال الأقمار الصناعية وتحليلها بواسطة الذكاء الاصطناعي، وصولاً إلى قدرة البشر على استعلام أي جانب تقريبًا من الكوكب في شبه الوقت الحقيقي. هذا سيفتح إمكانيات مذهلة لإدارة الموارد بشكل مستدام، والاستجابة للأزمات بسرعة، وفهم عالمنا بصورة ديناميكية – لكنه سيطرح أيضًا تحديات تتعلق بأخلاقيات البيانات، الخصوصية، والاستخدام العادل. من المرجح أن السنوات القادمة ستشهد اندماج صور الأقمار الصناعية في الحياة اليومية بعمق أكبر، من التطبيقات التي نستخدمها إلى السياسات التي تضعها الحكومات، محققة الوعد المبكر لعصر الفضاء في مراقبة الأرض والاستفادة منها لصالح الجميع.

المصادر:

Tags: , ,